للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: قدَّام المطر؛ لأنَّه ريح ثم سحاب ثم مطر، وهذه استعارةٌ مَليحةٌ.

﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾: بليغاً في طهارته، وذلك لأنَّه لم يَشُبْهُ شيءٌ، بخلاف ما نَبَعَ من الأرض ونحوه، فإنَّه يَشوبُه أجزاءٌ أرضيَّةٌ مِن مَقرِّه أو مِن ممرِّه، أو ممَّا يُطرَح فيه، وقيل: مُطهِّراً لقوله: ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١]، وهو اسمٌ لِمَا يُتطهَّر به، كالوضوء لَمَا يُتوضَّأ به، قال : "الترابُ طهورُ المؤمنِ" (١).

* * *

(٤٩) - ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾.

﴿لِنُحْيِيَ بِهِ﴾ بالنباتِ ﴿بَلْدَةً﴾ ذكَّر ﴿مَيْتًا﴾ على إرادة البلد والمكان، أو لأنَّه غير جارٍ على الفعل كسائر أبنية المبالغة، فأُجري مجرى الجامد.

﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ وقرئ: (ونَسْقِيَه) (٢)، وسَقَى وأَسْقَى لغتان، والأناسيُّ: جمع إِنْسِيٍّ على القياس، ككِرْسيّ وكَراسيَّ، أو: إنسانٍ، وأصله: أَناسِين، كسِرْحان وسَراحين، فأُبدلت النونُ ياءً وأُدغمت.

وقدِّم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسيِّ لأنَّ حياتها سببٌ لحياتهما، فقدِّم سبب حياتهما على سقيهما.


(١) رواه أبو داود (٣٣٣)، والترمذي (١٠٤)، ولفظه: "إنَّ الصَّعيدَ الطَّيِّبَ طَهورٌ، وإن لم تَجِدِ الماءَ إلى عَشرِ سِنينَ .. "، من حديث أبي ذرٍّ الغفاري، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) قرأ بها ابن مسعود، والأعمش والمفضل في رواية عن عاصم. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٠٥). والمشهور عن عاصم كقراءة الجماعة.