للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بطريق الالتزام (١)، وعلى تقديرِ التقديمِ يفوتُ أحدُ الاهتمامين، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

* * *

(٧٧) - ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾.

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ إيلاءُ الهمزةِ واوَ العطف للتقرير والتعجيب مِن حالِ الإنسان، أي: أَيُنكِر الإنسانُ البعثَ ولم يَرَ مبدأَ خلقِه وإبداعَ نشأتِه.

وفيه تسليةٌ أُخرى لرسولِ اللهِ بتهوينِ ما يقولونَ بالنسبةِ إلى إنكارهم للبعث، وتقبيحٌ بليغٌ لإنكارهم، لا يُرى أَبلغُ ولا أَفحشُ منه ولا أَعجب، ولا أدلُّ على تمادي كفر الإنسان وإفراطه في (٢) جحود النِّعم، حيث تقرَّر في عِلْمه أنَّا خلقناهُ مِن شيءٍ قليلٍ، وبلَّغناهُ إلى قَدْرٍ جليلٍ.

وإنَّما لم يقل: مِن ماءٍ مهينٍ، مع ما فيه مِن المناسبة لقرينه، رعايةً لحَقِّ الكلامِ بتجرِيده لِمَا سِيقَ له مِن المرام، وذلك بحذف ما يخيِّل غَرضاً آخَرَ، وهو الامتنانُ بالإعزاز والإكرام.

ومَن لم يتنبَّه لهذا قال: أنَّا خلقناهُ مِن أمهنِ شيءٍ وأقذره، وهو مع مهانةِ أصله وخساسةِ عنصره (٣)، يتصدَّى لمخاصمة الجبَّار، الذي شرَّفه بعد خسَّته، وكرَّمَه بعد ذلَّته، ويقول: مَن يحيي العظام؟!


(١) في (م): "الإلزام".
(٢) "وإفراطه في"، وقع في النسخ بدلا منه: "وإفراد"، والمثبت من "الكشاف" (٤/ ٣٠).
(٣) في (ك): "وخساسته".