للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ مِن خَيرٍ وشرٍّ.

﴿مَا﴾ مَوصُولةٌ مَنصوبةٌ بـ ﴿يَنْظُرُ﴾، يُقالُ: نظَرتهُ، بمَعنى: رأيتُهُ (١)، ونَظرتُ إلَيهِ أعمُّ، والرَّاجعُ مِن الصِّلةِ مفعولُ ﴿قَدَّمَتْ﴾، وحذفُه مَفعُولًا شائعٌ.

أو استِفهاميَّةٌ مَنصُوبةٌ بـ ﴿قَدَّمَتْ﴾؛ أي: يَنظُرُ أيَّ شيءٍ قدَّمتْ يَداهُ؟

وقوُلهُ: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي﴾ بَعضُ المرتبِ على ما قَبلهُ، كما في قولهِ تَعالى: ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ [يوسف: ٣١]، والتَّقدِيرُ: فيُسرُّ (٢) المُؤمنُ ويَقولُ الكَافرُ، وقَد نبَّهتُ فيما سَبق أنَّ هذهِ الواوَ تُسمَّى فَصِيحةً (٣).

فإنْ قُلتَ: لمَ خصَّ قولَ الكَافرِ بالذِّكرِ دُونَ المُؤمنِ عَلى عَكسِ ما تَقدَّمَ مِن تَخصِيصِ حالِ المُؤمنِ بالذِّكرِ حَيثُ قالَ: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾؟

قُلتُ: دلَّ ذِكرُ الكَافرَ على غايةِ الخَيبةِ ونِهايةِ التحسُّرِ، ودلَّ حَذفُ قَولِ المُؤمنِ عَلى غايةِ النُّجحِ (٤) ونهايةِ الفَرحِ بما لا يُحيطُ بهِ الوَصفُ.


(١) الذي في "الكشاف" (٤/ ٦٩٢): (بمعنى: نظرت إليه). وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢، ٢٣]: العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا: نظرته، كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ﴾ [الزخرف: ٦٦]، ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣]، ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٤٩] وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا: نظرت فيه، فأما إذا كان النظر مقرونا بذكر (إلى) وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان.
(٢) في (ع): "والتقدير يقول فيه".
(٣) وسميت بذلك لأنها أفصحت - أي: بينت وكشفت - عن المحذوف، ودلت عليه وعلى ما نشأ عنه، ولأنها أحيانًا تفصح عن جواب شرط مقدر. انظر: "الكليات" (ص: ٩٢٣)، و"شرح التصريح على التوضيح" (٢/ ١٨٦)، و"النحو الوافي" (٣/ ٦٣٦).
(٤) في هامش (ب): "النجح الظفر".