للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا تنثلم به العدالة، كيف والخطأ في الاجتهاد مما يثاب عليه؟ وما يثاب عليه لا يكون قادحًا في العدالة.

﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾؛ أي: الجهةَ التي كنت عليها وهي الكعبة، كان يصلي إليها بمكة، ثم أُمر بعد الهجرة بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس، لا تألُّفًا لليهود لأنَّه مردودٌ بالحصر المستفاد من تمام الكلام الآتي ذكرُه، فإنه صريحٌ في أنَّ جَعْل الكعبة قبلةً ليس تألُّفًا لقريشٍ على هذا الوجه، وأنَّ جَعْل الصخرة قبلةً ليس تألُّفًا لليهود على الوجه الآخَر، ثم حوِّل إلى الكعبة، فالمعنى: ما ردَدْناك إلى الكعبة، وذلك لا يقتضي أن تكون ﴿الْقِبْلَةَ﴾ المفعولَ الأول، و ﴿الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ المفعولَ الثانيَ كما تُوهِّم، بل يجوز أن يكون على العكس؛ أي: صيَّرنا الجهةَ التي كنتَ عليها أولًا ثم صُرِفْتَ عنها إلى بيت المقدس قبلتَك أو الصخرة، فالمخبَرُ به على الأول (٤) الجعلُ الناسخ، وعلى الثاني المنسوخُ، والمعنى: إنَّ أصل أمرِك أن تَستقبل الكعبة، وما جعلنا قبلتَك بيتَ المقدس إلا امتحانًا وابتلاءً للناس.

وعن ابن عباس : كانت قبلتُه بمكةَ بيتَ المقدس، إلا أنه كان يجعل الكعبةَ بينه وبينه (٥).

ولا دلالةَ في هذا على أحد المعنيين المذكورين بخصوصه كما لا يخفى (٦).

﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ ليَظْهَرَ علمُنا على مظاهر الرسول والمؤمنين، ويتميَّزَ عندهم الثابتُ على الإسلام الصادقُ فيه، وإنما عبَّر عن الظهور


(٤) في "ك" و"م": (على الوجه الأول).
(٥) انظر: "الكشاف" (١/ ٢٠٠). ورواه بنحوه الإمام أحمد في "المسند" (٢٩٩١).
(٦) في هامش "ح" و"د" و"ف": (رد للقاضي).