للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شهادة رجلٍ واحد، والضلال بمعنى النسيان مَجازاً لأنَّه سببُه؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠].

فإن قيل: كيف قال: ﴿أَنْ تَضِلَّ﴾ وإنما الإقامة المذكورة للإذكار لا للضلال؟

قلنا: أجاب عنه سيبويه: بأنَّ الضلال سبب الإذكار، فتقدم (١) عليه لأنَّه سبب العلة لا لأنَّه العلة؛ كما يقال: أعددتُ هذا للحائط أن يميل فأدعمَه، وإنما أعدَدْتَه للدعم لا للميل، لكن قدِّم عليه الميل لأنَّه سببُه (٢).

والعدول عن الظاهر للاعتناء بشأن التذكير، فإنَّ إفضاء الفعل إليه وكونَه مقصوداً من الفعل بلَغ مبلَغًا صار المهروب عنه مطلوباً لأجله، ومن حيث كونُه مُفْضياً إليه.

وأجاب عنه الفرَّاء: أنه بمعنى الجزاء، وتقديره: أنْ تذكِّر إحداهما الأخرى إنْ ضلَّت، إلا أنه لمَّا قدِّم (أنْ) اتَّصل بما قبله من العامل فانفتح (٣). ويؤيدُه قراءة: ﴿أَنْ تَضِلَّ﴾ بكسر الألف على الشرط ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ بالرفع (٤).

وقرئ: (أنْ تُضَلَّ) على البناء للمفعول (٥)؛ أي: أن تُوجد ضلالة، من الإضلال الذي همزتُه للوجدان؛ نحوَ: أَحْمَدْتُه، بمعنى: وجدْتُه محموداً، ولا يخفَى ما في التعليل المذكورِ من الدلالة على ضعفِ حِفْظهنَّ وقلَّةِ ضبطِهن، وليس ذلك إلا لنقصان عقلهنَّ.


(١) في (د): "فقدم".
(٢) انظر: "الكتاب" (٣/ ٥٣).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (١/ ١٨٤).
(٤) هي قراءة حمزة من السبعة. انظر: "التيسير" (ص: ٨٥).
(٥) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٨).