للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عالَمَي الملك والملكوت، فهو يكلِّف مَن يشاء بما يشاء، ولمَّا كانت التكاليف محلُّ اعتقادها الأنفسُ قال:

﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ من السوء.

﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ ولا يدخل فيه الوساوس وحديثُ النفس، إذ ليس في وسعه الخلوُّ منه، ولا يكلِّف اللّه نفساً إلا وسعها، ولكنْ ما اعتقده أو عزم عليه.

﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ قال الحسن: ليس يعاقبُ اللّه تعالى عبداً يوم القيامة أسرَّ عملاً أو أعلنه من حركةِ جوارحه، أو همَّ في قلبه، دون أن يعرِّفه إياه يوم القيامة حتى يقرِّره (١)، ثم يغفر ما يشاء لمن يشاء، ويعذب مَن يشاء بما يشاء (٢).

﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ من أهل المغفرة.

﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ من أهل العقوبة، وهذا صريحٌ في نفي وجوب التعذيب، وفي الآية دلالة على وقوع الحساب، فيكون حجةً على مَن أنكره من المعتزلة والروافض.

قرئ: (فيغفر … ويعذب) مجزومَين على جواب الشرط، ومرفوعَين على الاستئناف (٣)، وتقديره: فهو يغفرُ ويعذِّب.

وقرئ: (يَغفرْ) بغير فاءٍ مجزوماً (٤) على البدل من ﴿يُحَاسِبْكُمْ﴾ بدلَ البعض من الكلِّ، وبدل (٥) الاشتمال، ومعنى الإبدال: تفصيل للإجمال الذي في الحساب؛ لأن


(١) في (ح) و (ك) و (ف): "يقرر".
(٢) ذكره بنحوه البغوي في "تفسيره" عند تفسير هذه الآية.
(٣) قرأ عاصم وابن عامر بالرفع وباقي السبعة بالجزم. انظر: "التيسير" (ص: ٨٥).
(٤) وكذا: (ويعذبْ) بالجزم أيضاً على هذه القراءة. انظر: "المحتسب" (١/ ١٤٩).
(٥) في (م): "أو بدل".