للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


البالوعة، أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد، فيضم ما تلف به، إما بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على رأي الإمام، أو هو مباح مقيد بشرط السلامة، وكذا كل ما فعل في طريق العامة، وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد، وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه، ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعاً، أو غماً، لا ضمان على الحافر، لأنه مات لمعنى في نفسه، فلا يضاف إلى الحفر، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع.
وقال أبو يوسف رحمه الله: إن مات جوعاً فكذلك، وإن ماتغماً فاحافر ضامن له، لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر.
وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها، لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريباً منه، وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه، فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك، فالضمان على الاجراء، لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له، ولا غرس.
قالوا: ومن غرق صبياً، أو بالغاً في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط، والعصا) وفيه، وفي كل خطأ أرش، ولأن الآلة غير مستعملة في القتل، ولا معدة له لتعذر استعماله، فتمكنت شبهة عدم العمدية، ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة، ومنه يقال: اقتص أثره.
أما إذا بالنار حتى مات، فيجب فيه القصاص بالسيف، وكذلك الضرب بحديدة مدببة، أو خشبة محددة: أو حجر محدد، فإنه يجب فيه القصاص بالسيف، لأنه عمد.
قالوا: من شج نفسه، وشجه رجل، وعقره أسد، وأصابته حية، فمات من ذلك كله، فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية، لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة، وفعله بنفسه هدر في الدنيا، معتر في الآخرة حتى يأثم عليه، فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف يغسل، ولا يصلى عليه، لأنه تعدى على نفسه بشجها، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة، فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه، فيجب عليه ثلث الدية.
مبحث من مات متاثرا بجراحه
اتفق الأئمة: على أن من جرح رجلاً عمداً، فلم يزل صاحب الجرح ملازماً لفراشه حتى مات من أثر الجراح، فإنه يجب عليه القصاص، لوجود السبب، وهو سفك دم محقون على التأبيد عمداً، وعدم وجود ما يبطل حكمه من عفو، أو شبهة تدرأه، فأضيف إليه.
واتفقوا: على أنه إذا تكافأت الدماء، أن ينفذ القصاص في القتل العمد، فيقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، والرجل بالرجل، والذمي بالذمي، والمستأمن بالمستأمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>