وتحدّثنا الدمية أنّ أباه كان شيخه الأول بما عرف عنه من فضل وأدب وشعر. لذا فإننا نراه، بعد أن يكتشف في ابنه معالم الرغبة العلمية والحرص على الافادة من الدروس، يعكف على تثقيفه بنفسه، ويبحث له عن شيوخ يعلّمونه ويوجّهونه. وعلى الرغم من وجود الإشارة الواضحة في تاج الدمية ومقدّمتها، إلى أنّ أباه هيّأ له سبل التعليم، فإننا نتساءل: وما نوع العلوم التي جناها الباخرزي؟ ومن هم الشيوخ الذين حلّقهم أبوه حوله؟ وماذا علّمه أبوه؟. ولا ندري بماذا نجيب عن تساؤلاتنا! غير أنّ بصيصا من نور يلمع عندما يقول الباخرزي نفسه إنّه فرغ من حفظ القرآن الذي كان مرحلته الأولى في التعلم، ليبدأ بعدئذ دراساته في الكتاتيب ولدى الشيوخ، وليبدأ كذلك بمطالعاته الخاصّة «١» .
ويتوضّح هذا البصيص من النور أكثر عندما نلمح، من بين سطور الدمية أنّ أباه كان على صلة بخيرة أدباء ذلك الزمان، وكثيرا ما كان يقوم الابن بصلة الوصل بينهما، فيحمل المساجلات الشعرية والاخوانية أو يجالسهم في منادماتهم الأدبية. وعلى هذا فإننا نعلم أنّ الباخرزي كان يستقي الأدب من جلساء أبيه كالثعالبي فكان أن انطبع هذا الجوّ الأدبي في نفس الباخرزي.
لتخلق في نفسه قصّة الدمية إثر زياراته المتكررة لمكتبة الثعالبي، واطّلاعه على مسوّداته.
غير أن الباخرزي الذي استعدّ للرحيل سنة ٤٣٤ هـ- ١٠٤٢ م، نراه يسدّ علينا طريقة كسبه العلمي. وإذا علمنا أنه استقى في نشأته القرآن والفقه والحديث وشيئا من الأدب، فإننا لم نعد نعلم شيئا بعد ذلك.
ولا يعني الغموض الذي جوبهنا به أنّ الباخرزي توقّف غبّ الرحيل