للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينقلنا من مبالغة الى مبالغة أفدح، من شعر «لو مزج بالملح الأجاج لعاد عذبا» ، ومن «ألفاظ ليس عليها غبار» إلى «معان لو وردت دجلة لارتوى من زلالها العطشان» . إلى أن يحطّ بنا عند الشاعر عبد القاهر الجرجاني حيث يبلغ أوج مبالغته، وذلك عندما يمدح الحسن الخوافي الأعرج، «ومن مدح رئيسا بالعرج فحدّث عن فضله ولا حرج. ولم أسمع بمثله في فنّه» . بل إنه يحكم على شعر دون أن يستشهد به. وربما قارنه بشاعر قديم كأبي نواس في خمرياته مثلا، دون أن يذكر شعر الشاعر أو شعر أبي نواس.

ب- النقد البلاغي:

مع أن النقد البلاغي هو من صميم النقد الأدبي ولا ينفصم عنه، فاننا آثرنا فصله، لا لشيء إلّا لنستوفي مجالاته النقدية في شتى المناحي التي اعترضته أو اعترضها. فنراه يشير إلى ألوان معينة من الصور البلاغية دون غيرها تبعا لحاجة العصر ولشهرة هذا النوع في زمانه. ولعل الصنعة اللفظية هي التي تأخذ بمجامع قلبه، وتراه يوقف المطالع ليخبره عن هذا النوع. وقد تضيق نفسه إن لم يجد للصنعة مجالا، فاذا مرّ بقصيدة لجعفر الشبيبي امتازت بالليونة والرقّة والموسيقية، لم تعجبه لأنّ العيب المتجلّي فيها أنها «من الصنعة مغسولة» . وإذا مرّ بحشو أعجبه شبّهه ب «حشوات اللوزينج» ، أو اعتبره «حشوا رقيق الحاشية» . وتراه يعجب أشدّ العجب ببيت أبي منصور الكندري:

فجلا عن الشمس الكسوف لتملأ ال ... أقطار والأقطاب ضوءا شاملا

فقال: «.. ولا أعرف أحدا مدح بمثل هذا المديح، وهو نوع من الصنعة يسمى «تحسين القبيح» . ولا نجد مبررا لهذا التحسين إلا تقدير الباخرزي لمقام الكندري الوزير. وقد يحلو له التفصيل في تعريف المحسنات المعنوية، وذلك بعد أن يمرّ ببيت فيه «إيهام» مثلا، كقول الشاعر كامل المنتفقي:

إنسانة الحيّ أم أدمانة السمر ... بالنهي رقّصها لحن من الوتر

<<  <  ج: ص:  >  >>