وقد يذكّرك أحيانا بأن القدماء حاولوا في مثل هذه الصنعة «١» . كما يشعرك بابتهاجه عندما يجد الجناس باديا في أدب غيره، وتتمّ هذه البهجة إذا كان التجنيس رقيقا مقبولا. أمّا الجناس الثقيل على الأذن، أو المصنوع صنعا قاسيا فانه يعزف عنه، ويظهر لك عدم رضائه عنه. فهو يتضايق كثيرا من تجنيسات طاهر الشيرازي إذ:«ما عليها طلاوة، ولا لها طراوة، ولا فيها حلاوة» ، فقد أحسّ بعناء الشاعر حين التزم كلمة «لاقاني» في ختام الأبيات الأربعة، وكل واحدة تحمل معنى مخالفا، متناسيا أنه، هو نفسه، عمد الى مثل هذا الجناس في أثناء حديثه عن عبد الصمد الطبري الذي مرّ ذكره قبل عدة أسطر.
ب- التلاءب بالأسماء:
يعتمد الباخرزي في شرح أحوال الشعراء على اللعب بأسمائهم، واستخدامها في ترجمتهم من باب الجناس أو الطباق أو الشرح.
وقد تحمل هذه الطريقة في التعبير بين ثناياها معنى مبالغا فيه، لا يقال لأصحاب الدواوين الكبيرة كقوله في أبي كامل تميم بن مفرّج الطائي:«كامل وبالكمال قد كني، وإذا وصف تمام الفضل فتميم عني. وناهيك بذلك الألمعي مفرّجا كاسم أبيه»«٢» . وكثيرا ما يكون لعبه اللفظي مجرد لعب لا طائل من ورائه، لا يسمن من الجوع ولا يوضّح الموضوع، حسبه تقليب الاسم أو تصحيفه وإن بعد عنه تعريفه، كقوله:«الفضائل هبة الله لأبي الفضائل هبة الله» . ويمكننا أن نستشفّ من وراء تلاعبه شرحا وتعريفا كقوله في أبي الفتح نصر بن سيّار:
«وله شعر كاسم أبيه بحوافر الإجادة سيّار، وبقوادم الاصابة طيّار»«٣» .
وقد يستخدم هذا التلاعب للمقارنة بين الأدباء، فتجيء صنعة مقبولة، كقوله في أبي أحمد منصور الأزدي «.. وأصيد للقلوب من كلام الصادين؛ الصاحب والصابىء» .