للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقع لنا أنه وقف حيال التشابيه إلا مرّة واحدة مع أبي القاسم المغربي في وصف غلام يسبح ليعبر:

والنهر مثل السيف وه ... وفرنده في صفحتيه

«قلت: هذا لعمري أفضل تشبيه ما له شبيه، وتمثيل لمخترعه مجد أثيل» .

وهو إن أطال ملاحظاته النقدية في علم البديع فلنفس مواتية فيه وفي عصره. أما علم البيان وعلم المعاني فقليل جدا. ويندر وقوفه على علم المعاني.

فتراه مرة واحدة- كالتشبيه- يتوقّف عند بيت علي بن الأزهر:

وماء حلللته وإن كان آجنا، ... وروض رعيت العشب فيه، رعيت!

عندما أحسّ بانتقال الجملة (رعيت العشب) من الخبر إلى الانشاء (رعيت!) . ويشعرك تذوّقه في هذا الانتقال أنه على مقدرة وافية، فيما لو استرسل. ولعل اغفاله هذا الموضوع كان عن بيّنة، ذلك أن الكلام مملوء بالخبر والانشاء، وقد أحس أنّ فيه إطنابا لذا قلب الصفح عنه.

[الموازنة بين الشعراء:]

يقف الباخرزي بين الشعراء أحيانا موقف الحكم المتفهّم لأمور الشعر والنثر. فيعقد موازنة بين شاعرين معاصرين، أو بين شاعر معاصر وآخر قديم أو بين شعر الشاعر وشعره هو أو شعر أبيه أو بين مجموعة من الشعراء. وتدلّ موازنة الباخرزي هذه على ادراك تام لما حوت الدواوين القديمة والمعاصرة بشكل يسترعي الانتباه.

وقد يفضّل شاعرا على شاعر، أو معنى على آخر، أو واحدا على أكثر من واحد. وقد تكون هذه الموازنة مدروسة يشملها النقد الصريح والمفاضلة العلمية وذلك بأن يعرض النصين تباعا ثم يناقش مواطن الضعف والجودة عند كل واحد، وبعد ذلك يرسل حكمه الأخير، وأحيانا يشفعه بنصّ آخر «١» .

وقد يبتعد عن كل هذه الأمور فيرسل الموازنة كما وردت دون إبداء رأي في أحد الأطراف، كما حصل لأبي سعد الناصحي وابن دوست «٢» .

<<  <  ج: ص:  >  >>