للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول في البيت والموضوع: «الايهام «١» في الشعر صنعة لا يتوصّل إليها الحضريون إلا بتعريق جبين الخاطر وبعثرة دفين الضّمائر. وقد أخذ هذا البدوي من عفو خاطره نوعا من الايهام تنبو عنه صوارم الأفهام، وذلك قوله:

بالنهي رقّصها لحن من الوتر فان لحن الوتر الذي يضربه اللاهي للأنس مرقّص، ولحن الوتر الذي ينزعه الرامي للوحش مقمّص، وما أشبه ذلك الترقيص بهذا التقميص!» «٢» .

وعندما يقف حيال الترصيع «٣» ، يصرّح بأن كبار البلغاء من الكتاب هم الذين يقدرون على صناعته. أما في الشعر «فهو أبعد مراما من أن يسمو إليه ناظر» . فيعتبره لونا من البراعة الفائقة عند الشعراء. وما قصده من هذا إلّا إخبارنا أنه كثيرا ما يتّفق له في شعره مثل هذه الصنعة. ونحن إن عالجنا إشاراته البلاغيّة في علم البيان أدركنا أنه يمزج بين الكناية والاستعارة المكنية، ويهتمّ بهما، لما فيهما من صور فنية تنقله الى الابداع والابتكار. فإذا قال تميم بن معد:

همّت تقبّله عقارب صدغه ... فاستلّ ناظره عليها خنجرا

أعجب الباخرزي بهذه الاستعارة، واسترسل في شرحها. فلاحظ معنا قوله: «كناية حسنة» ثم قوله «مثل هذه الاستعارة» ، ذلك أن القدماء سموا الاستعارة المكنية استعارة بالكناية. ولهذا اختلط على القارىء لأول وهلة أنه لم يقدّر تخريج الصورة البيانيّة، ولهذا السبب كذلك قلنا قبل أسطر إنه «مزج» بينهما. أما قوله: «كنّى في المصراع الأول عن السكر بكناية لم يسبق إليها» ، بعد أن دوّن بيتّ ابن أبي زرعة:

ومالت فروع البان بين ثيابنا ... وجرّت على وجه الرياض المطارف

فقد عنى الكناية ذاتها، وذلك في تمايل الأجساد من أثر السكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>