للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع الرواية والرواة]

كان الأدباء والمؤلفون منذ القديم يعتمدون على الرواية في نقل الأخبار أمانة منهم واخلاصا. ولهذا يجب أن يكون الراوي ثقة وذا اسناد صحيح.

والباخرزي أحد أولئك الذين عنوا عناية خاصة بالرواية والراوي معا، ليقدم للقارىء مادة مستقصاة. وسنرى الآن منهج الباخرزي في كشف شخصية الراوي، لنتلمّس بعدها مدى أهميّة دقته في المواد التي يجمعها.

والغيرة الفنية التي حرص الباخرزي على التحلّي بها تتمثّل، أكثر ما تتمثّل، في عنايته برواته وروايته. ذلك أنّ مثل هذا العمل الأدبي الكبير الواسع المحيط يتطلّب من صاحبه أن يعتمد بجزء وافر منه على ما يعينه على النقل والرواية من ألسن الناس والشعراء وليس سهلا على الأديب، مهما حاول التجول في الأمصار، أن يبلغ مرامه في لقاء سائر الادباء لأنّ الحظّ يخونه فلا يرى بغيته لأسباب كثيرة معروفة، فيميل إلى ذويه أو عارفيه من حفظة نثره أو شعره فيستميليهم شيئا منه..

ويحسن أن نعلم هويّة هؤلاء الرواة ومكانتهم، لنتعرّف على مدى نجاحه في عمله. فاذا ما تذكّرنا أنه درس فقه الشافعي وعلوم الحديث على أبي المعالي الجويني عالم عصره في هذا الباب أيقنّا أنه كان على إلمام تام بصحّة الرواية والراوي والسّند، والشروط التي يتحلّى بها راوي الخبر أو الأثر.

ولقد كان الباخرزي ينقل عن الرواة بدقّة متناهية عندما يتعذّر عليه النقل المباشر وغالب رواته من طبقة أهل العلم والأدب والشعر والقضاء واللغة والنحو وخزنة دور العلم، وقد عرفنا ذلك من الصفات التي كان يلحقها بهم، أو من ترجماتنا أو ترجماته لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>