وقد نبذ الناس اليتيمة بعدها ... ولا عجب إنّ اليتيمة منبوذه
وإذا انتقلنا في حديثنا إلى الخريدة علمنا أن عماد الدين الأصفهاني طالع كتاب الدمية بأصفهان في دار الكتب التي لتاج الملك:«وبعثني ذلك على تأليف كتابي هذا»«١» ، ويعني كتابه الخريدة. إذا، فالمؤلف هنا يعترف اعترافا واضحا باطّلاعه على الدمية، واضطلاعه بأعباء التأليف تتمّة لها. والخريدة، بعد هذا، أوسع نطاقا، فقد جاءت في عشر مجلدات، إلّا أنها أقل أهمية من الدمية، لأنها ظهرت في مرحلة تاريخية أضعف بكثير من زمان الخريدة من حيث جودة الانتاج وعناية الأمراء بالأدب العربي. وقد رتّب العماد خريدته بحيث شملت العالم الاسلامي، من الأندلس، الى آخر بلاد الفتوح، كما أنه اعتمد الأسر الشعرية في بعض الأحيان. والباخرزي (الذي ذكر مثل ذلك في كتابه) لم يكن واضحا في عمله هذا وضوح العماد وتنظيمه في خريدته.
وعلى الرغم من وجود الفارق الزمني الطويل بين الباخرزي والعماد فانّ الأخير أورد عددا من أعلام الدمية في الخريدة. ولكن هذا العدد أقل بكثير من الأعلام الذين أوردهم الباخرزي، وكانوا مذكورين في اليتيمة.
ومنهم: ابن الدّويدة المعري «٢» وأبو الفضل المشتهى الدمشقي «٣» .
وبعد، فالحديث في هذا المجال لا ينتهي ولا يحاط به، وخضمّ يخشى موجه؛ الخوض فيه خطر والنأي عنه عثر. ولما كان الواجب يحتّم علينا أن نعرف مكانة الدمية من أخواتها، ومكان حلقتها من السّلسلة التي تنتسب إليها فقد قدّمنا هذه البلغة. ولئن لم تكن شافية لقد عرضت صورا صادقة لواقع هذه السلسلة الأدبية، ومكان كل حلقة من الأخرى.