أسبق من هذا الواسطي إلى الغاية في افتتاح هذه الآية، فقد رثى غلاما..» :
مشى برجليه عمدا نحو مصرعه ... ليقضي الله أمرا كان مفعولا
كما أن سنّ الأربعين من الأمور التي يعالجها الادباء في شعرهم ونثرهم فاذا ذكر علي الزيادي (الأربعين) بقوله:
ألمت بعيد الأربعين مفاصلي ... وعدا يعاديني الطباع الأربع
أعادنا إلى البحتري باعتباره من أوائل من اشتكى هذه السن. ثم يذكرّنا بأنّ أباه شرح أهمية هذه السن من حيث الرشد والتعقّل، فعرّفها ببلوغ «الاشد» . ثم يخبر أنه بلغ هذه السن.
وكثيرا ما يكون الموضوع غير ذي أهميّة، ولكنّه يريد أن يقحم شيئا من شعر أبيه، فيعقد موازنة بين قول أبيه وقول أبي الفضل المشتهى الدمشقي. وهو إذا ذكر أباه في الموازنة وفضّله تباهيا به فأحر به أن يضع نفسه مقابل الشعراء في بعض موضوعاتهم، فقد راق له أن يوازن بين قول ابن هندو وقوله في معنى قريب منه، ولكنه لا يفاضل بينهما. أما إذا أنشأ ابن حسول رسالة في فضل الحرّ على البرد فانّ الباخرزي يقول:«ناقضته برسالة على الضدّ» .
ويكثر الموازنة بين أكثر من شاعر حيث يعقد محاورات تجري بينهم.
فكثيرا ما تمرّ مشكلة في عصره يذكرها شاعر، فيسترعي انتباهه شاعر آخر أو ثالث.. فيستعرضهم جميعا، كقصّة الشاعر أبي الفتح بن المدبّر الاصفهاني، وهو يدافع عن ابن الجويش ضدّ أبي نصر بن مشكان. ثم يروي بيتي يعقوب النيسابوري، فبيتي المظفّر الدامغاني.. والحديث طويل «١» . وقد يكون أحد الشعراء الموازن لهم قديما، فيورد شعره هو في ختام الموازنة كنتيجة للحكم «٢» .
وتتّضح المقارنة أكثر في موضوع صوت القبلة الذي ذكره ابن كيغلغ:
وأحسن من رجع المثاني وصوتها ... تراجع صوت الثغر يقرع بالثغر
ليقول: «وما أحسن ما كنّى عن حكاية صوت القبلة بقرع الثغر