وأبي يعلى المهلّبي ثم أصحاب الاصم كالحيري والصيرفي وأبي زكريا المزكي والطبقة وقد سمع من القاضي أبي الهيثم وأبي سعد الواعظ الخركوشي وعبد الخلاق المؤذن والسيد ظفر وأبي محمد بن المؤمل وغيرهم من كبار المشايخ.
ثم حصل على حظ وافر من العربية وتخرج فيها وحفظ حكايات المحاورة والأشعار المليحة.
وعاش عيشا طويلا في كمال العفة والورع والقوت الحلال وقصر اليد عن الشبهة. وأخذ الطريقة عن زين الإسلام أبي القاسم وتحقق في الارادة وعرف مجاري أهل التصوف ومقاماتهم وأحوالهم واتفق له الرواية الكثيرة.
وعقد مجلس الإملاء في المدرسة النظاميّة يوم الجمعة بعد الصلاة وأملى سنين.
ولم أر في المشايخ الذين سمعنا منهم اكثر إتقانا ولا أضبط في الرواية منه.
فقد قرات عليه اكثر من خمس عشرة سنة تفاريق المسموعات والكتب والإملاء وكان راغبا في قراءتي لا يسامح فى أن يفوته مما يقرا عليه كلمة لم يسمعها ولم يفهمها على مبلغ الإمكان ويراجع في المشكلات ويبالغ في الوقوف على المعاني ما يسعه.
ورأيت منه عجائب في خدمة زين الإسلام والتقرّب اليه ومباسطة مجلسه بما يستحسنه من الطرف والفواكه حاملا منه مقدار ما يمكنه حمله بنفسه لشدة مداخلته وصدق إرادته ثم نظر الإمام عليه بعين الاحترام وقبول ما يأتي به مقابلا بالاكرام على ذلك.
زجىّ عمره واستتم أمره وانفرد بالرواية في اخر عمره عن أكثر مشايخه من غير مشاركة للبركة في عمره وروايته حتى ختم بموته حديث الحاكم أبي عبد الله والمهلّبي وابن فورك.
وكان محدث وقته انتخب عليه الحفاظ وخرجت له الفوائد.
ومضى الى رحمة الله تعالى في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وأربع مائة.