حتّى من أبسط الحقوق والمزايا الاجتماعيّة، وكان العلم محظورا وحكرا على العائلة المالكة، فلا مدارس ولا علماء ولا مؤسسات ثقافية أو تربويّة، ولا مجال لأيّة نشاطات سياسيّة أو علميّة، بل كانت الأمية والظلم الاجتماعي والطبقي يسود عامّة الشعب.
وحينما بزغ فجر الاسلام، وتحرّر الشعب من براثن الطاغوت الحاكم، استقبل هذا النور بحفاوة بالغة، تاركا خلفه ظلمات الجاهليّة وعناءها وقيودها، وكلّما مرّت به الأيام ازداد قناعة وتمسكا بهذه الرسالة الخالدة، ولم يمض قرن واحد حتى صار هذا الشعب المقدام يحتلّ مركز الصدارة في الدولة الاسلامية الكبرى ويلعب دورا رئيسيّا فى الأمور وخاصة الفكرية والعلميّة منها رغم كل العراقيل الاجتماعية والسياسيّة التى كانت تحول دونه.
ومن الواضح أن اعتناق هذا الشعب للاسلام لم يتمّ دفعة واحدة ولا عن إكراه وإجبار، وإنّما بصورة تدريجية وفي خلال قرون عديدة وعن قناعته التامّة بهذا المنهج القويم وعلى اثر المقارنة بين ما كان يعيشه في العهد الساساني وغيره من ظلم واعتساف وبين ما لمسه من العدل الاسلامي وخاصّة فى عهد الإمام عليّ عليه السلام حيث الخليفة قاطن فيما بينهم بتواضعه العظيم لا يفرّق بين أبيض وأسود ولا بين غنيّ وفقير ولا بين شعب واخر.
واستمرّ الشعب في التفاعل مع الفكر القرآني حتّى امن بضرورة تجسيده فى جميع المجالات وفي مقدّمتها المجال السياسي والقيادي وخاصّة بعد ما رأ الزيغ والزلل والأهواء يخيّم على القيادات المتشدّقة بالاسلام تلك الحكومات الوراثيّة والعنصرية المتخلّفة فكان منه أن ساهم فى ثورات عديدة ومتتالية أودت بأنظمة وجاءت بأخرى كان من أهمّها الاطاحة بالدولة الأموية.
بيد أن هذه الحركات والثورات كانت تستهدف الأنظمة والقائمين عليها دون أن تكون لها رؤية واضحة وأهداف محدّدة حول البديل وشكل النظام والقيادة الاسلامية الجديدة فكانت النتائج هي فى الغالب تبديل أنظمة بأخرى مثلها فى الظلم والانحراف.