ثوبين يأتزر بأحدهما ويجعل الآخر على عاتقه، ولا يجزيه مئزر وحده ولا سراويل وحده؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء»(رواه البخاري) .
مسألة ٣٤:(ويجزئه أن يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة) ، وعند الشافعي لا يجزئه؛ لقوله سبحانه:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}[المائدة: ٨٩] ، فوجه الحجة: أنه جعل الكفارة أحد هذه الخصال الثلاث، ولم يأت بواحدة منها. الثاني: أن اقتصاره على هذه الثلاث يدل على انحصار لتكفير فيها، وما ذكرتموه قسم رابع؛ ولأنه نوع من التكفير فلم يجز تبعيضه كالعتق، ولنا أنه أخرج من جنس المنصوص عليه بعده العدد الواجب فأجزأ كما لو أخرجه من جنس؛ ولأن كل واحد من النوعين يقوم مقام صاحبه في جميع العدد فقام مقامه في بعضه كالتيمم، لما جاز أن يقوم مقام الماء في جميع البدن في الجنابة جاز في بعضه في طهارة الحدث، وفيما إذا كان بعض بدنه جريحا وبعضه صحيحا؛ ولأن معنى الطعام والكسوة متقارب، إذ القصد منها سد الخلة ودفع الحاجة، وتنوعهما من حيث كونهما في الإطعام إشباع الجوعة، وفي الكسوة ستر العورة، ولا يمنع الإجزاء في الكفارة الملفقة منهما، كما لو كان أحد الفقيرين محتاجا إلى ستر العورة والآخر إلى الاستدفاء، وأما الآية فإنها تدل بمعناها على ما ذكرناه؛ ولأنها دلت على أنه مخير في كل فقير من عشرة بين أن يطعمه أو يكسوه، وهذا يقتضي ما ذكرناه، ويصير كما يتخير في فداء الصيد الحرمي بين أن يفديه بالنظير أو يقوم النظير بدراهم فيشتري بها طعاما فيتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما، فلو صام عن بعض الأمداد وأطعم بعضا جاز كذا هاهنا.
مسألة ٣٥:(ولو أعتق نصف رقبة أو أطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه) ؛ لأن مقصودهما مختلف متباين، إذ كان القصد من العتق تكميل الأحكام أو تخليصه من الرق، والقصد من الإطعام والكسوة سد الخلة وإبقاء النفس بدفع المسغبة في الإطعام، ودفع ضرر الحر والبرد في الكسوة، فلتقارب معناهما، جرتا مجرى الجنس الواحد فكملت الكفارة من أحدهما بالآخر، ولذلك سوى بين عددهما، ولتباعد مقصد العتق