(٣٢) وإن أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل القصاص على المباشر ويؤدب الآمر، وإن أمر من لا يعلم تحريمه به أو لا يميز فالقصاص على الآمر
(٣٣) وإن أمسك إنسانا للقتل قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة ٣٢:(فإن أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل فالقصاص على المباشر، ويؤدب الآمر. وإن أمر من لا يعلم تحريمه به أو لا يميز فالقصاص على الآمر) ؛ لأنه إذا كان غير عالم تحريم القتل فهو معتقد لإباحته، وذلك شبهة تمنع القصاص كما لو اعتقده صيدا فرماه فبان إنسانا، ولأن حكمه القصاص الزجر ولا يحصل ذلك في معتقد الإباحة، وإذا لم يجب عليه وجب على الآمر؛ لأنه آلة لا يمكن إيجاب القصاص عليه، فوجب على المتسبب به؛ كما لو أنهشه حية أو ألقاه في زبية أسد فقتله، ويؤدب المأمور، قال الإمام أحمد: يضرب ويؤدب، قال علي: ويستودع السجن، ويفارق هذا ما إذا علم حظر القتل فإن القصاص على المأمور لإمكان إيجابه عليه وهو مباشر له فانقطع حكم الآمر كالدفع مع الحافز، ويكون على الآمر الأدب لتعديه بالتسبب إلى القتل.
وإن أمر بالقتل من لا يميز كصبي أو مجنون فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور ليس له قصد صحيح؛ لكونه غير مميز فهو كالآلة.
مسألة ٣٣:(فإن أمسك إنسانا للقتل فقتل، قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت) أما القاتل فإنه يقتل بغير خلاف، وأما الممسك فإن لم يعلم أن القاتل يقتله فلا شيء عليه، وإن أمسكه له ليقتله عالما بذلك مثل أن ضبطه له حتى ذبحه، فاختلفت الرواية عن الإمام أحمد: فروي عنه أنه يحبس حتى يموت، وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعنه: يقتل أيضا؛ لأنه لو لم يمسكه لم يقدر على قتله، وبإمساكه تمكن من قتله، فالقتل حاصل بفعلهما فيكونان شريكين فيه فيجب عليهما القصاص كما لو جرحاه، وقيل: يعاقب ويأثم ولا يقتل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أعدى الناس على الله تعالى من قتل غير قاتله» ، والممسك غير قاتل، ولأن الإمساك سبب غير ملجئ، فإذا اجتمعت معه المباشرة كان الضمان على المباشر كالدافع والحافز، ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إذا أمسك الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك» ؛ ولأنه حبسه