(٣١) وإن ذبحه أحدهما ثم قطع الآخر يده أو قده نصفين فالقاتل الأول، وإن قطعه أحدهما ثم ذبحه الثاني قطع القاطع وذبح الذابح
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عليهما، وقال أبو حنيفة: لا قصاص على الأول، ويجب على الثاني؛ لأنه قطع سراية الأول فمات بعد زوال جنايته فأشبه ما لو اندمل جرحه ثم مات، ولنا أن قطع الثاني لا يمنع جناية بعدها فلا يمنع جناية قبلها، كما لو قطع يده الأخرى، وما ذكره فغير مسلم، فإن الألم الحاصل بقطع الأول لم يزل، وإنما زاد، ويخالف الاندمال فإنه لا يبقى معه الألم الذي حصل في الأعضاء الشريفة فاختلفا.
مسألة ٣١:(وإن ذبحه أحدهما ثم قطع الآخر يده أو قده نصفين فالقاتل الأول، وإن قطعه أحدهما ثم ذبحه الثاني قطع القاطع وذبح الذابح) ، وذلك أنه إذا جنى عليه اثنان جنايتين نظرنا فإن كانت الجناية الأولى أخرجته من حكم الحياة مثل أن أخرج ما في بطنه فأبانه، أو قطع حلقومه ومريئه، ثم ضرب عنقه الثاني أو قطع يده أو قده نصفين، فالأول هو القاتل؛ لأنه لا يبقى مع جنايته حياة، والقود عليه خاصة، وعلى الثاني التعزير كما لو جنى على ميت، وإن عفا الولي إلى الدية فهي على الأول وحده، وإن كان جرح الأول يجوز بقاء الحياة معه مثل شق البطن من غير إبانة أو قطع عضو كاليد والإصبع، ثم ضرب عنقه آخر، فالثاني هو القاتل؛ لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة، فيكون الثاني هو المفوت لها فعليه القصاص في النفس، ثم ينظر في جرح الأول فإن كان موجبا للقصاص كقطع الطرف فالولي مخير بين قطع طرفه أو العفو على دية الطرف أو العفو مطلقا، وإن كان لا يوجب القصاص كالجائفة وغيرها فعليه الأرش، وإنما جعلنا له القصاص أو الأرش؛ لأن فعل الثاني قطع سراية الأول فصار كالمندمل، ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به عن حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة مثل جرح يخرق المعاء فضرب عنقه الثاني، فالقاتل هو الثاني؛ لأن حكم الحياة ثابت فيه، ألا ترى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما دخل عليه الطبيب فسقاه لبنا فخرج نصله فعلم الطبيب أنه ميت، فقال له: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم وأوصى وجعل أمر الخلافة إلى أهل الشورى فقبلت الصحابة عهده وأجمعوا على قبول وصاياه، فلما كان حكم الحياة باقيا كان مفوتها هو القاتل كما لو قتل عليلا به علة قاتلة.