(٥٨) وتجب الهجرة على من لم يقدر على إظهار دينه في دار
ــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يجوز أن يملك ما سبي منهم كأهل الذمة، ويحتمل أن يجوز ذلك؛ لأنه لا يجب عليه أن يدفعه عنهم فلا يلزمه رد ما استنقذه منهم كما لو أعان أهل الحرب على أهل الحرب.
مسألة ٥٨:(وتجب الهجرة على من لم يقدر على إظهار دينه في دار الحرب، وتستحب لمن قدر على ذلك) قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: ٩٧] ولأن حكم الهجرة باق إلى يوم القيامة لا تنقطع، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد» رواه سعيد وغيره، وعن معاذ بن جبل قال:" سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» أخرجه أبو داود،. فأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح» رواه سعيد فمعناه لا هجرة من مكة بعد فتحها، ولا هجرة من بلد بعد فتحه؛ لأن الهجرة الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام، وبعد الفتح صار البلد المفتوح دار إسلام فلا هجرة منه إذاً، ألا ترى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذلك لمن أراد الهجرة من مكة بعد فتحها، «فإن صفوان بن أمية قيل له بعد الفتح: إنه لا دين لمن لم يهاجر، فأتى المدينة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما جاء بك أبا وهب؟ قال: قيل: إنه لا دين لمن لم يهاجر، قال: ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة. أقروا على مساكنكم فقد انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية» يعني من مكة، إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه، وهو من لا يمكنه إظهار دينه، ولا عذر له من مرض ولا عجز عن الهجرة، فهذا تجب عليه للآية:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}[النساء: ٩٧] ، ولأن القيام بواجب الدين واجب ولا يتمكن منه إلا بالهجرة، وما