عشر سنين وهي اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي؛ لأن قوله سبحانه:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥] عام خص منه مدة العشر بصلح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل الحديبية على عشر، ففيما زاد عليها يبقى على مقتضى العموم. ووجه الأول أنه عقد يجوز في العشر فجاز فيما زاد كمدة الإجازة، والعام مخصوص في العشر لمعنى هو موجود فيما زاد عليها وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب. فإن قلنا بجوازه في الزيادة لم يجز مطلقاً من غير تقدير؛ لأنه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية، وإن قلنا يتقدر بالعشر فعقد على أكثر من ذلك فسد في الزيادة وكان في العشر على وجهين مبنيين على تفريق الصفقة.
مسألة ٥٤:(ولا يجوز عقدها إلا من الإمام أو نائبه) ؛ لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة على ما قدمنا، ولأن عقد الهدنة يكون مع جملة من الكفار وليس لأحد من المسلمين إعطاء الأمان لأكثر من القافلة؛ لأن في تجويز ذلك افتئاتاً على الإمام أو نائبه في تلك الناحية وتعطيل الجهاد بالكلية، فإن هادنهم غير الإمام أو نائبه لم يصح، فإن دخل بعض الكفار الذين هادنهم دار الإسلام كان آمناً؛ لأنه دخل معتقداً أنه دخل بأمان، ويرد إلى دار الحرب ولا يقر في دار الإسلام؛ لأن الأمان لم يصح.
مسألة ٥٥:(وعليه حمايتهم من المسلمين دون أهل الحرب) ؛ لأنه أمنهم ممن هو في قبضته وتحت يده، ومن أتلف من المسلمين أو أهل الذمة عليهم شيئاً أو قتل منهم أحداً فعليه ضمانه، ولا يلزم الإمام حمايتهم من أهل الحرب، ولا حماية بعضهم من بعض؛ لأن الهدنة التزام الكف عنهم فقط.
مسألة ٥٦:(وإن خاف نقض العهد منهم جاز أن ينبذ إليهم عهدهم) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال: ٥٨] ، يعني أعلمهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم، ولا يكفي أن يقع في قلبه خوف منهم حتى يكون ذلك عن أمارة تدل على ما خافه.
مسألة ٥٧:(وإن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراؤهم) لأنهم في عهد منه فلا