للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاد الألمان والنمساويون بعدئذ إلى الاهتمام بآثار اليمن، فقام العالم النمساوي "إدوار غلازر" بأربع رحلات إلى الجنوب العربي بين ١٨٨٢ - ١٨٩٢م، وجمع عددًا كبيرًا من الكتابات والنقوش أربت على ٦٠٠ بينها أكثر من ١٠٠ نقش من العهد القتباني -وكان له الفضل في أنه أول من مكن العلماء من الوقوف على بعض أخبار مملكة قتبان، إذ كان ما اكتشفه من النقوش التي تتحدث عنها أول كتابات تصل إلى أوروبا- هذا بالإضافة إلى ٤٠ لوحا مكتوبا وإلى كثير من التحف والنقود القديمة، فأغنى بذلك الدراسات العربية اليمنية، وزودها بفيض من المعلومات القيمة. كما رسم مخطط سد مأرب بدقة تامة، واستنسخ الكتابات المنقوشة عليه، وحصل على مقاييس ومساحات بعض المعابد، كمعبد إله القمر في مأرب، وهكذا فتح "غلازر" عهدًا جديدًا في تاريخ العرب القديم فجعله أكثر علمية.

ولا تزال النقوش التي عثر عليها المستشرقون والرحالة، أو صورها المستنسخة وعددها يربو على ٧٠٠٠ معروضة في متاحف أوروبا ومكتباتها الكبرى. وقد نشر كثير منها في المجلات الألمانية والفرنسية والإنجليزية التي تُعنَى بالاستشراق. وأشهر الذين اهتموا بحل رموزها العلماء "موللر وغلازر وهومل" ولا سيما "أوسياندر" الذي استطاع أن يقرأ جميع الكتابات ويكشف عن معانيها، "فوضع بذلك الأساس المتين لدراسة عرفت باسم الدراسة العربية الجنوبية"١.

ولم يقتصر نشاط المستشرقين على اكتشاف آثار الجنوب العربي ونقوشه، بل امتد إلى شمالي الجزيرة العربية، إذ قام بعض الرحالة من السويسريين والإنجليز والألمان منهم "بركهارد" و"جورج والين" وغيرهما بزيارة بعض مدن الحجاز ونجد والبتراء وحوران وبصرى وتدمر، واكتشفوا فيضًا من الآثار، وعثروا على كتابات ألقت قبسًا من النور على التاريخ القديم لهذه المناطق.

لقد أفاد المؤرخون إفادة عظيمة من هذه الآثار والنقوش التي كشفت عن حضارة من أقدم الحضارات البشرية، حضارة عاشت ما يقرب من ١٥٠٠ عام، وهي لا تقل مجدًا وعظمة عن حضارات مصر وبابل وآشور ولا تقل عنها قدمًا. كما كشفت عن خطأ


١ الدكتور جواد علي: نفس المصدر ١٠/ ٧٧.

<<  <   >  >>