كان أهل اليمن ذوي حضارة ومدنية عريقتين، عمروا المدن وشيدوا القصور، وزينوها بالذهب والفضة، ونعموا بمباهج الحياة، ورفلوا بالثياب المترفة المصنوعة من الخز والحرير وغيرهما من فاخر الأقمشة، واقتنوا آنية الذهب والفضة والأثاث والرياش الفاخر -حسبما جاء في وصف المؤرخ "آغاثر دس" لحياتهم- وهذا يدل، ولا شك على أنهم كانوا على نصيب كبير من الغنى والازدهار. وكان سبب غناهم عنايتهم بالزراعة والتجارة، تلك العناية التي اضطلعت بها دولهم العديدة التي سبق لنا دراسة تاريخها السياسي ويبقى علينا أن نلم بلمحة عن حضارتها.
وإن البحث لا يستقيم إلا إذا قدمنا له بلمحة عن أصل نظام الحكم في اليمن, فقد شبهة بعضهم بالنظام الإقطاعي الذي كان سائدًا في أوروبا خلال القرون الوسطى, إذ كانت اليمن تقسم إلى مخاليف "مفردها: مخلاف وهو أكبر وحدة سياسية وإدارية" تتبعها محافد "مفردها: محفد" وينقسم المحفد إلى مدن وقرى. وربما كان اليمن القديم مؤلفا من ٨٤ مخلافًا ذكرها اليعقوبي كلها، كما فصل الهمداني كل مخلاف بقراه وأوديته وجباله في كتابه "صفة جزيرة العرب"١. ويوضح الباحث العربي جورجي زيدان تقسيمات المحافد بقوله: إن اليمن كانت تقسم إلى محافد وهذه إلى قصور. والقصر كان كالحصن أو القلعة يحيط به سور، ويقيم فيه شيخ أو أمير يحف به الأعوان والحاشية والخدم، ويعرف صاحب المحفد بلفظ "ذو" بمعنى صاحب، فيقال مثلًا:"ذو غمدان" و"ذو معين" بمعنى صاحب غمدان، صاحب معين. وتسمى هذه الطبقة باسم "طبقة الأذواء" الذين كانوا يتدرجون في المراتب, وكل منهم يتبع الآخر. وهم يشبهون بارونات ولوردات أو