للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النعمان الأول "٤٠٠-٤١٨م"

وهو أول ملك استطاع المؤرخون المحدثون أن يتتبعوا سيرته بشيء ولو قليل من التأكيد. ويعتبر النعمان الأول من أشهر ملوك الحيرة، وقد حكم بين ٤٠٠-٤١٨م، ويلقب بالأعور، وهو باني الخورنق والسدير، وله في بناء الخورنق قصة طالما رددها الأخباريون، وهي مما لا يسمح المنهج التاريخي بقبولها، وملخصها أن النعمان قد أمر ببانيه المهندس البيزنطي سنمار، فألقي من أعلى ذروة فيه فقضى نحبه، فذهب ذلك مَثَلًا بين الناس "جزاء سنمار". ويروون لذلك أسبابًا غير معقولة كقولهم: إن سنمار قد صرح لمشاهدي القصر الذين أعجبوا بجماله: إنه لو علم بأنه سيوفى أجره، ويصنع به ما هو أهله لبناه يدور مع الشمس حيثما دارت. فقال النعمان: "إنك لتقدر أن تبني ما هو أفضل منه ثم لم تبنه"١ وأمر بطرحه من أعلى القصر. وكانت تحت إمرة النعمان كتيبتان عسكريتان؛ الأولى فارسية وهي "الشهباء" وقد ساعده الفرس في تشكيلها بألف جندي أقاموا لديه، الثانية عربية وهي "الدوسر" وقد اشتهرت بقوة بأسها وشدة بطشها، فضرب بها المثل "أبطش من دوسر" وكان يغزو الشام بهما. وذكروا إلى جانبهما ثلاث كتائب أخرى غير نظامية هي: الرهائن والصنائع والوضائع. وقد وصفه الأخباريون بكونه رجلًا حازمًا قويًّا، ومحاربًا من أشد الناس نكاية بعدوه، وقد غزا عرب الشام من الغساسنة فسبى منهم وغنم غنائم عظيمة.

ولما توفي النعمان خلفه ابنه المنذر الأول "٤١٨-٤٦٢م" وقد جرت في عهده حروب ضارية وطويلة بين الفرس والروم، فقدم للفرس مساعدة قيمة في هذه الحروب، وبذل من التضحيات حدا عظيما، بالغ الأخباريون فجعلوا عدد الضحايا العرب من جنده وقودًا للحرب مئات الألوف٢، لاقوا حتفهم إما غرقًا في نهر الفرات في أثناء اجتيازه، أو في ساحات الوغى إلى أن انتهت الحروب بصلح عقد عام ٤٢٢م بين فارس وبيزنطة استمر لأمد طويل. ومما يروى أن المنذر الأول هو الذي أوصل الأمير الفارسي "بهرام جور" إلى


١ الطبري ٢/ ٦٥-٦٦، يقول سليط بن سعد:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
٢ راجع عنها جواد علي: ٤/ ٤٤-٤٥.

<<  <   >  >>