ليس لدينا من المستندات العلمية ما يكشف عن تاريخ الحجاز في العصور القديمة, ولعل السبب في الغموض الذي يكتنف تاريخه عزلته وبعده عن الأحداث العالمية المجاورة، وعدم احتكاكه بالدول الأجنبية المتحضرة. على أن وعورة مسالكه، وقسوة مناخه، وجفاف إقليمه، وجدب أراضيه، لتوسطه صحارى مقفرة، قد جعلت منه منطقة لا مطمع لأجنبي فيها. ولذا عاش حياته الخاصة بعيدا عن الأضواء في تاريخ العالم القديم١. وبينما كان القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية قد أقام دولًا، وابتدع حضارة كان الحجاز يتابع حياة البداوة، الأمر الذي جعل المؤلفات الكلاسيكية تخلو من ذكره أخباره.
إن معلوماتنا عن تاريخ الحجاز مستقاة من أفواه الرواة الذين عاشوا قبل الإسلام بقليل، أو عاصروا الجاهلية والإسلام معًا، والملاحظ أن رواياتهم تغلب عليها الصيغة الغيبية، فقد تأثرت بالإسرائيليات وبجو الإيمان الجديد، إذ دونت في العهد الإسلامي، وبعد أن مضى ما يقارب من قرنين على بزوغ فجر الإسلام. وليس لنا أمل في الوقوف على معلومات تاريخية مستوفية للدقة العلمية، عن ماضي الحجاز في العصور القديمة البعيدة عن الإسلام، إلا إذا قامت في حواضره المهمة تنقيبات من شأنها أن تكشف لنا عن آثاره التي قد تكون مطمورة في باطن التربة.
والمعلومات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر تنبئ أن الحجاز قد ثابر على بداوته، حتى توفرت لبعض مراكزه الشروط التي ساعدتها على التطور، ذلك أن القوافل