عرف العرب بالوفاء والالتزام بالمواثيق. وكان من شدة حرصهم على الوفاء بعهود التحالف أن اتبعوا طقوسًا يقومون بها عندما يعقدونها، والغرض منها أن يحيطوها بجو من القدسية والرهبة، من شأنه أن يلزم المرتبطين بها إلزامًا شديدًا ودقيقًا.
من هذه الطقوس أن يحضروا طستًا من المسك، يغمسون أيديهم فيه، ويمسحون بها جدران الكعبة، كما جرى بالنسبة لحلف المطيبين وهو حلف بني عبد مناف ضد بني عبد الدار عندما اختلفوا على الوظائف التي خلفها جدهم قصي، بينما أتى خصومهم بنو عبد الدار بطست من الدم غمسوا أيديهم فيه، ومسحوا بها جدران الكعبة.
أو كأن يأخذ الطرفان المتحالفان مقدارا من ماء زمزم، يغسلون به أركان الكعبة، ثم يجمعونه في جفنة ويشرب منه الطرفان، كما جرى في حلف الفضول بين قريش وزهرة وتيم. أو كأن يوقدوا نارًا يدعون بالحرمان من خيرها لمن ينقض الحلف، ويتلفظون بعبارات١ يعتقدون أن من شأنها أن تزيد الحلف قوة وثباتا. وقد يلقي فيها سدنة النار ملحا وكبريتا، حتى إذا استشاط وفرقع، هددوا المتحالفين، وهولوا عليهم بقولهم: إن النار تهددكم إن نقض أحدكم الحلف، فإن كان يضمر الغدر نكل عن التحالف، وإن كان مخلصًا أبرمه.
وقد ذكر "هيرودوت" طريقة للتحالف يقول فيها: إن شخصًا ثالثًا يقف بين
١ مثل عبارات: "الدم الدم، الهدم الهدم، لا يزيد العهد طلوع الشمس إلا شدًّا، وطول الليل إلا مدًّا، ما بل بحر صوفة، وأقام رضوى في مكانه" إن كان رضوى جبلهم، وإلا ذكروا جبلًا آخر يجاورهم.