لعله أصبح معروفًا -مما سبق- أن شبه جزيرة العرب كانت على الغالب مطيرة وخصبة صالحة للزراعة، وأطرافها وأواسطها مزدهرة مأهولة بالسكان في الأزمنة الخالية، وذات غابات كثيفة وأشجار ضخمة ونباتات متنوعة، حتى إذا قلت رطوبتها بتغير المناخ تدريجيا تحولت التربة الخصبة إلى رمال وصحارى، فاضطر السكان إلى الهجرة منها إلى المناطق الشمالية في الهلال الخصيب.
على أن الدراسات التي قام بها العلماء عن أنواع النباتات والحيوانات التي كانت تعيش في شبه الجزيرة لم تسفر عن نتائج باهرة، وهي غير كافية لإعطاء حكم صحيح عليها. وقد تفيد مراجعة بعض النصوص القديمة والأشكال والصور التي رسمها القدماء في ألواحهم الكتابية، وعلى الجدران للزخرفة والزينة في معرفة هذه النباتات والحيوانات. كما قد تفيد مراجعة بعض كتب المؤرخين الإسلاميين أيضًا، فقد جاء فيها أن مما كان يزرع في شبه الجزيرة: النخيل في الحجاز والقمح والشعير والذرة والأرز في اليمن وعمان والحسا, أما الكرمة فربما تكون قد دخلتها من الشام قبل أو بعد القرن الرابع الميلادي.
ومن مزروعات اليمن الشهيرة اللبان والمر، وبعض الأشجار الأخرى التي يستخرج منها الصمغ والبخور, وقد لعبت هذه المحاصيل دورًا مهمًّا في تجارة اليمنيين القدماء. كما اشتهر لدى عرب الجاهلية أنواع من النباتات الصحراوية كشجر السنط والأثل والغضا الذي ينتج عنه الفحم والطلح الذي يستخرج منه الصمغ. وكان العرب يزرعون في الواحات الرمان والتفاح والمشمش واللوز والليمون والبطيخ "وكان كما يروى محببًا للرسول الكريم" والموز وربما يكون الأنباط واليهود هم الذين أدخلوا هذه الأشجار إلى شبه الجزيرة. وقد وردت في المصادر العربية لفظة "حمى" التي تطلق على أمكنة مزروعة يحميها شيخ القبيلة لقبيلته ومواشيها، وربما كانت تحتوي على نباتات وأشجار لا نستطيع تعيين أنواعها. وأشهر ما جاءنا من الأسماء "حمى الربذة" الذي عناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"لنعم المنزل الحمى"، وحمى "الشرى" وحمى "ضرية" وهو لكليب بن وائل، وكان في ناحية منه قبره الذي يزعم بدو تلك المناطق أنه معروف لديهم، وقد عرفه ياقوت بقوله: "وهو سهل الموطئ كثير الخلة وأرضه صلبة ونباته مسمنة وفيه كانت