كان البدو يحتقرون المهن وكسب الرزق عن طريق الصناعة، وقد اقتصر عملهم فيها على مصنوعات بسيطة يصنعها العربي لنفسه. أما الزراعة فإن الجفاف وطبيعة البلاد الصحراوية، قد جعلا الأرض قاحلة إلا في اليمن وبعض الواحات في الشمال. وحتى التجارة فإنها لم يكن للبدو خلق يؤهلهم لها، وقليلا ما كانوا يمارسونها، بيد أنهم قد استُخدموا حراسًا للقوافل التجارية، أو أدلاء لها لقاء أجور يتقاضونها من أصحاب القوافل, الذين ربما استأجروا منهم جمالا لنقل بضاعتهم. ومع كون التجارة هي المهنة التي يكنون لها شيئًا من الاحترام أكثر من سواها، فإنهم كانوا يكرهون التكالب عليها، وينددون باندفاع قريش فيها.
إنما كانت معيشة البدو قائمة على ما تنتجه مواشيهم من ألبان ولحوم يتغذون بها، ومن صوف ينسجون منه خيامهم ولباسهم، ومن جلود يستعملون منها قِرَبًا أو أحذية يحتذونها, كما كانوا يعتمدون على الموارد التي تأتيهم من الغزو، الذي كان ركنا من أركان الحياة في الصحراء, ولم يكن نوعا من اللصوصية بالرغم من أنه شبيه بها, بل كان في نظرهم نوعا من الممارسة المباحة، ومن التقاليد المتعارف عليها، إذ تغير قبيلة على أخرى بسبب عداوة بينهما، أو حتى بسبب كونها أضعف منها، تأخذ إبلها وماشيتها ومتاعها، وتسبي نساءها وأولادها، فتتحفز القبيلة المعتدى عليها للأخذ بالثأر وتتربص بالأولى، حتى إذا واتتها فرصة سانحة، انقضت عليها لتغزوها بدورها وتسلبها ما تملكه؛ ثأرًا منها لما فعلته بها، ومما درج عليه العرب أنهم يحتفظون بالسبي من نساء وأولاد، حتى ترسل قبيلتهم الفدية التي تطلبها القبيلة المنتصرة، كما كان المغيرون يتحاشون جهد استطاعتهم إراقة الدماء١.