للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل التاسع: الحياة السياسية في البادية العربية]

[مدخل]

...

[الفصل التاسع: الحياة السياسية في البادية العربية]

إذا اعتبرنا التنظيم السياسي بمثابة الدولة أو الحكومة التي تنبثق عن إرادة الشعب، لتحكم وفق ما يؤمن المصلحة العامة لمجموع الأمة، بواسطة مؤسسات تلتزم كل منها بالنظر في نوع معين من الاختصاص، فإننا لا نرى مثل ذلك التنظيم عند القبائل، التي كانت تعيش في بوادي شبه الجزيرة العربية. كل ما في الأمر، أن القبائل العربية كانت تتصور الدولة على أنها القبيلة، فتكرس ولاءها لها، ولا ولاء تكرسه لغير القبيلة. فالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية التي تتقمص صفة الدولة، وتقوم بمهامها في البادية، لا دستور لها مكتوب، ولا قوانين مقننة، ولا نظم تشرعها مجالس، اللهم إلا تقاليد وأعراف متوارثة راسخة، فرضتها على الجميع طبيعة الحياة في البادية، فالتزم القوم بها التزامًا دقيقًا.

ويرتبط أفراد القبيلة برابطة تقوم على أساس وحدة الدم ووحدة الجماعة١، والإيمان بهذه الوحدة والتعصب لها هو ما يطلق عليه اسم "العصبية القبلية"، فالعصبية القبلية هي بمثابة الشعور القومي في عرف البدوي. وتتوسع هذه العصبية في الأحلاف، فتشمل القبائل والعشائر بالنسب أو بالجوار أو الداخلة في الحلف٢.

وباعتبار أن شبه الجزيرة كانت تضم عشرات من القبائل, لكل منها عصبيتها الخاصة، فإن مجتمعًا هذا شأنه لا يمكن أن تظهر فيه نزعة قومية شاملة، بالرغم من كون القبائل العربية كلها تعيش في محيط جغرافي واحد، وتجمع ما بينها تقاليد وعادات واحدة، وتدرك أنها تنتمي إلى قوم واحد، وجنس واحد، وتتكلم لغة واحدة تتعصب لها


١ أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص٣٢.
٢ جواد علي: ٤/ ٢١٢.

<<  <   >  >>