للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اليهودية في بلاد العرب]

وقد يكون ما جاء به زهير نتيجة تأثير من الديانات التوحيدية, فقد كان من التأثيرات الخارجية في بلاد العرب ما هو ديني، قد انتقل عن طرق اليهودية. ذلك أن هذه الديانة كانت منتشرة في أفراد من حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة وبلي، وكان لليهود مستعمرات في تيماء وفدك وخيبر ووادي القرى، بالإضافة إلى قبائل كثيرة منهم سكنت يثرب وما يجاورها من قرى، وأشهرهم بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير, وقد تقدم في فصول سابقة لمحة عنهم وعن تاريخ دخولهم إلى بلاد العرب "القرن الأول الميلادي". وقد تركوا في البلاد تأثيرًا مهمًّا من حيث الزراعة والصناعة والتجارة، إذ أدخلوا إليها أنواعا جديدة من الأشجار، وطرقا جديدة في الزراعة: حفروا الآبار وعملوا في تربية المواشي والدواجن، وعملت نساؤهم في نسج الأقمشة.

غير أن التجارة كانت غالبة على مرافق حياتهم، وأحرز بعضهم مثل أبي رافع الخيبري شهرة كبيرة، إذ كان يرسل بضاعته بواسطة القوافل إلى الشام، ويستورد الأقمشة المختلفة منها. وقد احتكر اليهود بخاصة تجارة البلح والشعير والقمح، وبلغ ثراؤهم من التجارة مبلغا جعل العرب يلجئون إليهم لاستدانة المال لقاء رهن أمتعتهم لديهم، وكان الربا شائعا بينهم. ومما اشتهروا به صناعتهم المعدنية، كالصياغة والحدادة وصنع الأسلحة والدروع والخوذ.

وإلى جانب هذه التأثيرات المادية كان لهم تأثير معنوي، إذ بثوا في بلاد العرب كثيرًا من مفاهيمهم الدينية، وربما كان لوجود المستعمرات اليهودية على طريق قوافل التجارة أثر فعال في ذلك، بالرغم من صدوف البدو عن التقيد بدين وتعاليم وطقوس مرهقة. ومن المفاهيم التي نتجت عن تأثير يهودي ومسيحي: فكرة الإله الواحد السماوي، وخلقه العالم في ستة أيام، وفكرة الجنة والنار والقيامة والبعث ويوم الحساب والميزان.

<<  <   >  >>