للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الشعر الذي ينبئ باعتقادهم أن الموت نهاية حياة الإنسان، قول شداد بن الأسود يرثي قومه من قتلى بدر، مستغربًا فكرة البعث التي بشر بها الرسول:

يخبرنا الرسول بأنْ سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام

غير أن الأخباريين رووا لنا أن فريقا من الجاهليين كانوا يؤمنون بالبعث والحشر بالأجساد، ويستشهدون على ذلك بالتقليد الجاهلي الذي يقال له "البلية"، ويقصدون بذلك عقل ناقة أو جمل عند قبر ميت ليحشر وهو راكب عليها، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعًا وعطشًا١. ويروى أن من تقاليد الجاهلية أن يعكسوا رأس الناقة أو الجمل إلى مؤخرة، ويأخذون ولية -أي: سرجا- فيشدون وسطه، ويقلدون عنقه، ويتركونه كذلك حتى يموت عند القبر. إذ كان بعضهم يوصي بأن يدفنوا معه ناقته كي لا يسير إلى المحشر راجلا, فيفعلون ذلك، كما قال عمرو بن زيد المتمني يوصي ابنه:

ابني, زودني إذا فارقتني ... في القبر راحلة برحل فاتر

للبعث أركبها إذا قيل: اظعنوا ... مستوثقين معًا لحشر الحاشر٢

ومما ينبئ بالاعتقاد بالبعث والقيامة والحساب، قول خزيمة بن الأشيم يوصي ابنه:

يا سعد إما أهلكنَّ فإنني ... أوصيك -إن أخا الوصاة الأقرب-

لا تتركن أباك يعثر راجلا ... في الحشر يصرع لليدين وينكب

واحمل أباك على بعير صالح ... وتقي الخطية, إنه هو أقرب

ولعل لي مما تركت مطية ... في الحشر أركبها إذا قيل: اركبوا

وقول زهير بن أبي سلمى:

فلا تكتمن الله ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم

يوخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم٣


١ جواد علي: ٥/ ٢٤٨-٢٥١.
٢ الألوسي: ٢/ ٣٠٩، راجع عن ذلك بعض الأشعار لشعراء آخرين في الألوسي.
٣ عمر فروخ: تاريخ الفكر العربي، ص١٦٢

<<  <   >  >>