يصنف العلماء الأديان إلى صنفين: أديان عليا، وأديان بدائية، وبديهي أن الصنف الأول هو الذي يشمل الأديان السماوية، بينما المقصود من الصنف الثاني هو الأديان الوثنية. وديانة العرب الجاهليين من النوع الأخير، وهي على قسمين: ديانة أهل الجنوب وقد سبق لنا دراستها، وديانة أهل الشمال وهي موضوع هذا الفصل.
ليس من السهل تكوين فكرة صحيحة وواضحة عن مفهوم الدين عند العرب، وكيفية عبادتهم لآلهتهم، وكيفية تصورهم لها، ولا سيما في العهد الذي سبق ميلاد المسيح؛ لقلة ما بين أيدينا من نصوص دينية جاهلية، ولذا فإن معارفنا عنها وعن الأساطير العربية الدينية قليلة.
وكل ما نعرفه عن عقائد الجاهليين أنها ابتدائية، ليس فيها شيء من العمق الروحي. وأما طقوسهم العبادية فلا نعرف منها إلا ما كان من طواف حول الأوثان وبيوتها، ولا سيما الكعبة التي تحوي عددًا كبيرًا منها، ومن تقديم بعض الضحايا الحيوانية، وأحيانا نادرة الضحايا والنذور البشرية لها. والسبب في أن معلوماتنا عنها قليلة ومشوهة، أن المؤرخين الإسلاميين لم يستسيغوا الخوض في أمور حاربها الإسلام١، وقد قضى الإسلام على كل أثر من آثار الوثنية، فأباد كل ما كان للجاهلية من أنصاب وتماثيل وأصنام.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عبادة الأوثان، وإلى المعتقدات الجاهلية في معرض التنديد بها, كما خاضت فيها بعض الكتب القديمة وهي على قسمين:
١ ديتلف نلسن: التاريخ العربي القديم "الديانة العربية القديمة", ص١٧٣-١٨٢.