تمتعت الدولة في هذا الدور بالاستقرار والازدهار الاقتصادي, ففي الميدان الاقتصادي أفادت الدولة الحميرية من الضعف الذي بدأ يدب في دولة البطالمة في أواخر أيامها، لا سيما وأن قوتها قد أخذت في التلاشي أمام الضغط الذي لقيته من الدولة الرومانية التي ما لبثت أن تغلبت عليها، وانتزعت منها سورية ومصر في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد. لكن الفرصة لم تتهيأ لها في بادئ الأمر للاستقرار والاهتمام بالنشاط التجاري، فانفتح المجال بذلك لعودة التجارة اليمنية إلى سلوك الطريق البري القديم إلى جانب الطريق البحري، فلعب الحميريون دورا مهمًا في هذا الميدان، وعادوا إلى فرض السيطرة العربية على النشاط التجاري بين الشرق والبحر الأبيض المتوسط عبر الطريقين البحري والبري، فجنوا الأرباح الطائلة وجمعوا الثروات الضخمة، وازدهرت دولتهم أيما ازدهار، إذ أنشئوا القصور الشامخة، وأبرزها قصر غمدان الذي ذكر الهمداني أنه بني على عشرين طابقًا، ووصفه وصفًا يظهر أنه مبالغ فيه، وبنوا المعابد الفخمة وتفننوا في تزيينها وتجميلها، وغرسوا الحدائق حولها, واستحالت بلادهم إلى جنان وارفة الظلال عامرة البنيان، كما اقتنوا أفخر الأثاث والرياش وتمتعوا بنعيم الحياة.
وفي الميدان السياسي شعرت الدولة الحميرية في بسط سيطرتها على كافة أرجاء الجنوب اليمني، وامتد نفوذها إلى خارجها، إذ هاجر جماعة من اليمنيين إلى أرض كوش "الحبشة حاليا" لأغراض تجارية، وأنشئوا هناك مستعمرات، وكونوا جالية يمنية نشرت بين الأحباش ثقافة لم يكن بوسع هؤلاء أن ينشئوها، وتمكنت في القرن الأول قبل الميلاد من إقامة دولة سميت "دولة أكسوم" التي اتخذت الخط اليمني "المسند" لكتابة لغتها التي عرفت باسم "الجعزية". كما هاجرت قبائل يمنية أخرى، ومنها معافر على ما يعتقد، إلى الشاطئ الشرقي من إفريقيا، وانتشرت في مختلف جهاتها، وأنشأت فيها -وبخاصة في الصومال وفي جوار زنجبار- بعض المشيخات والحكومات.