للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن الوهن ما لبث أن دب في الدولة خلال الربع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، وكان عليها أن تواجه الخطر الروماني في مصر بعد أن أصبح قريبًا منها، فتعرضت لأطماع روما التي أخذت تمد نفوذها المناطق المجاورة، لا سيما وأن الرومان قد تضايقوا من الدولة الحميرية، ومن قوتها وسيطرتها على التجارة في المناطق المجاورة لأملاكهم الجديدة، واحتكارها لمواد الترف وللتوابل التي تأتي بها من الهند وتتحكم في أسعارها فلا تصل إلى أوروبا إلا بأغلى ثمن، فلما تسنم "أغسطس" عرش الإمبراطورية في روما عقد العزم على استلحاق البلاد اليمنية فأوعز إلى واليه في مصر "إيليوس غالوس" سنة ٢٤ ق. م. بأن يسير على رأس حملة حربية نحو اليمن للاستيلاء عليها وعلى ثروتها ومحاصيلها، وللقضاء على القراصنة الذين كانوا على ما يظهر يزعجون سفن الرومان في البحر الأحمر، والذين كانوا يحتمون بسواحل الحجاز واليمن وللهيمنة على ملاحة وتجارة البحر الأحمر.

فتحركت الحملة، وكان قوامها عشرة آلاف جندي بينهم مصريون ورومان بالإضافة إلى عدد من الأنباط يقدرون بألف جندي وخمسمائة يهودي. وقد رافقها كل من المؤرخ اليوناني "سترابون" والوزير النبطي "صالح Syllaeus" الذي وضعه ملك الأنباط عبادة الثاني أو الثالث "٢٨ - ٩ ق. م" تحت تصرف الحملة ليكون دليلها ومستشارها، بعد أن وقعت دولة الأنباط تحت سيطرة الرومان.

سارت الحملة من الموانئ المصرية، ونزلت في الميناء النبطي "نيجرا" الواقع على البحر الأحمر إذ كانت سيطرة الأنباط تمتد إلى هذه الجهات، ومنها ثابرت على زحفها بطريق البر نحو الجنوب في أرض وعرة، قليلة الزرع والأمطار، إلى أن وصلت إلى مدينة نجران فاستولت عليها, ثم تجاوزتها إلى الجنوب حتى مسيرة ستة أيام. ولم يبق بينها وبين الوصول إلى هدفها سوى مسيرة يومين حينما شعر "إيليوس غالوس" باستحالة الاستمرار في الحملة بسبب الأمراض الفتاكة التي انتشرت بين جنوده، لا سيما وقد أصابهم الإنهاك الشديد، فعاد بها إلى "نيجرا" ومنها أبحرت إلى البر المصري بعد أن مضى على خروجها من الميناء النبطي ستة أشهر ولم تحقق الغاية التي ذهبت من أجلها. وقد تعرضت سواء في الذهاب أو الإياب إلى مهاجمة العرب لها هجومًا عنيفًا؛ مما اضطرها إلى خوض معارك ضارية معهم وكان لها الأثر الفعال والرئيسي في إخفاق الحملة.

<<  <   >  >>