حكم "أبرهة" اليمن ما يقارب ٢٣ عامًا، ولما توفي خلفه ابنه "يكوم" ثم أخوه "مسروق". وقد أساء الأحباش إلى اليمنيين وأذلوهم، حتى إذا اشتد بهؤلاء البلاء عزموا على التخلص من مستعمريهم، وقد تزعمهم رجل من أذواء حمير يدعى الأمير "سيف بن ذي يزن" الذي أصبحت سيرته في تحرير بلاده موضوع روايات وملاحم دخلها كثير من الخيال والأسطورة.
لجأ سيف بن ذي يزن إلى كسرى الفرس وطلب مساعدته في إخراج الأحباش من بلاده، فاستجاب كسرى لطلبه؛ نظرًا للعداء الفارسي البيزنطي، ولكون الاحتلال الحبشي لليمن وما يكمن وراءه من نفوذ بيزنطي يؤثر تأثيرًا سيئًا على الاقتصاد الفارسي من حيث تحويل تجارة الشرق الأقصى إلى أيدي البيزنطيين، وحرمان الفرس من الأرباح التي تأتيهم من تجارة التوابل عبر الخليج العربي إلى المناطق الشمالية؛ لوجود منافسين أقوياء إلى جانبهم، هذا بالإضافة إلى ما ينجم عن احتلال اليمن من تزايد في السيطرة السياسية البيزنطية، ومن اختلال في توازن القوى السياسية بين الدولتين العدوتين.
وهكذا أرسل كسرى مع سيف بن ذي يزن جيشًا بقيادة "وهرز" أبحروا من الخليج العربي ونزلوا في شواطئ حضرموت، وما كادوا ينزلون البر اليمني حتى انضم إليهم كثير من السكان، فقاتلوا الأحباش، واستطاعوا أن يطردوهم، وأن يحرروا اليمن من حكمهم.
وتسنم سيف بن ذي يزن مقاليد الحكم بالاشتراك مع الفرس، واتخذ قصر غمدان -بعد أن رمم- مقرًّا له، ثم أخذ ينتقم من الأحباش ويقتلهم حتى كاد أن يفنيهم، ولم يبق منهم إلا قلة ذليلة اتخذ من أفرادها عبيدا له. فاغتنم هؤلاء غفلة منه واغتالوه،