وهي تقول بأن أرض بابل "بلاد الرافدين" هي مهد الساميين؛ لأنها أقدم أرض عمرها نوح. وواضح أن القائلين بهاتين النظريتين قد تأثروا برواية العهد القديم عن الطوفان، فزعموا أن الذين نجوا منه على سفينة نوح قد انتشروا من وادي الرافدين في بقية بقاع الشرق العربي. وقد اشتركوا في القول بأن أرض أرمينية وبابل هما المكان الأنسب الذي يتفق مع رواية التوراة في مسألة الطوفان. وقد كوَّن "فون كريمر وغويدي" -وهما من القائلين بهذه النظرية- حجتهما من دراسة الكلمات المألوفة في اللغات السامية، إذ رأيا أن اسم الجمل تشترك فيه جميع الشعوب السامية، بينما هي لا تشترك في أسماء كالنعامة والنخل والتمر. وبما أن منشأ الجمل في زعمهما هو هضاب آسيا الوسطى -قرب نهري سيحون وجيحون- فيجب أن تعتبر هذه المناطق الموطن الأصلي للساميين الذي اضطرتهم ظروف قاسية إلى الهجرة منها عبر منطقة إيران إلى العراق، واستقروا في بابل، لا سيما وأن المفردات التي تدل على السهول والمياه والنبات مشتركة بين الشعوب السامية، وأن منطقة الرافدين غنية بها، مما يدل على كونها أول موطن للساميين، ومنه انتشروا إلى المناطق المجاورة.
والانتقاد الذي يوجه إلى هاتين النظريتين كونهما: أولًا: تعتمدان "كما يقول المستشرق نولدكه" على المقابلات والموازنات اللغوية في إثبات حقائق علمية ليس من المعقول أن يكتفى لدعمها بكلمات معدودة، لم يثبت ثبوتًا تامًّا كون جميع الساميين قد أخذوها من العراق أو من غيره. وثانيًا: تتجاهلان حقيقة مهمة هي أن قانون التقدم الاجتماعي يفرض أن الأقوام الرُّحَّل هم الذين يهاجرون من مناطقهم القاحلة إلى المناطق الخصبة؛ كي يصبحوا هناك زراعا مستقرين، وليس من المعقول أن يهاجر المستقرون في المناطق الغنية بالسهول الخصبة والزراعات والنباتات الوفيرة إلى مناطق صحراوية قاحلة محرومة من المياه والنباتات كشبه جزيرة العرب ليصبحوا فيها رعاة متنقلين، علمًا بأن شبه الجزيرة كانت تعاني في الألف الرابعة قبل الميلاد -وهو الزمن الذي اصطلح العلماء على كونه عصر بداية الهجرات السامية- جفافًا ومحلًا بسبب التغير الذي افتُرض كونه طرأ على مناخها المطير.