وقد لقب بلقب "الأعرج" وهو الذي حارب المنذر الثالث بن ماء السماء ملك الحيرة وقتله في موقعه عين أباغ "يوم حليمة" وأبلى بلاءً حسنًا في قتال الفرس، فمنحه الإمبراطور جوستنيان لقب "بطريق" وهو يعني قائد عشرة آلاف في الجيش البيزنطي، ولقب "فيلارك" ويعني رئيس قبيلة، وقد ترجم العرب هذه الألقاب بمعنى "ملك" ويفسر بعض المؤرخين ذلك بأن ربما اعتبر ملوك الغساسنة أنفسهم خلفاء لملوك الأنباط. وقد قدم الحارث للبيزنطيين خدمات جلى، إذ رفعه ولاؤه للعرش البيزنطي إلى قتال المناذرة وأسهم في إخماد فتنة قامت ضد الإمبراطورية في السامرة في فلسطين، وحارب في الجيش البيزنطي الذي زحف إلى العاصمة الفارسية بقيادة القائد "بليزاريوس" لكنه آثر الانفصال عن الجيش البيزنطي، والعودة إلى مراكز إمارته لأسباب ذكرتها سابقًا.
كان الحارث ذا شخصية قوية ومهابة عظيمة، زار سنة ٥٦٣م بلاط جوستنيان؛ ليتداول معه في شئون الإمارة، ومنها قضية من سيخلفه، وما يجب اتخاذه من تدابير لمواجهة خصمه القوي عمرو بن هند ملك الحيرة الجديد. وكان ظهوره في البلاط البيزنطي مثار اهتمام كبير من الحاشية ورجال القصر، وترك أثرا عميقا في نفوسهم بوصفه شيخا بدويا مهيبا.
وقد بلغت الإمارة الغسانية في عهده ذروة اتساعها، فقد امتدت من قرب البتراء إلى الرصافة شمال تدمر، واشتملت على البلقاء والصفا وحوران، وأصبحت بصرى التي بنيت كاتدرائيتها سنة ٥١٢ م العاصمة الدينية في المنطقة، كما اشتهرت بكونها مركزا تجاريا نشطا. ولما كان الحارث من أتباع القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح "المنوفستية" فقد