للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجران مدينة شمر، وأخضع معدًّا، واستعمل بنيه على القبائل، وأنابهم عنه لدى الفرس والروم، فلم يبلغ ملك مبلغه إلى اليوم"١.

عاصر امرؤ القيس عدة ملوك من الأسرة الساسانية الجديدة التي تسلمت حكم فارس منذ عام ٢٢٦م، كان آخرهم سابور الثاني الذي تسنم العرش سنة ٣٠٩م وهو صبي صغير، فنصب الفرس وصيًّا عليه. وقد ساءت أحوال المملكة في أول عهده، وكثرت الاضطرابات حتى طمع العرب في الأراضي الفارسية، وجاء منهم -زيادة على ما في العراق- عدة قبائل من البحرين منها قبيلة إياد التي أغارت على سواد العراق، وأعملت يد النهب والسلب فيه، وحذت حذوها قبائل تميم وغيرها، واستمرت الاضطرابات زمنًا غير يسير. وما أن بلغ سابور السادسة عشرة من عمره وتسلم زمام الحكم الفعلي للمملكة حتى بدأ ينكل بالعرب، لا سيما إياد وتميم فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم أخذ يشتت شمل القبائل العربية ويلاحقها بالتنكيل ففر بعضها إلى الروم وبعضها الآخر إلى البحرين، فلاحق هؤلاء الآخرين، وفتك بهم فتكا ذريعا، وأصدر أمره بعدم دخول العرب مملكته بدون إذنه تحت طائلة الموت. ومن شدة فتكه بهم لقب بـ "ذي الأكتاف" لأنه كان يخلع أكتاف زعمائهم٢.

وقد أشار شاعر إياد إلى ذلك بقوله:

على رغم سابور بن سابور أصبحت ... قباب إياد حولها الخيل والنعم

لكنه عندما أدرك صعوبة الاستمرار في سياسة العنف والقوة معهم -تلك السياسة التي حدت بجماعات منهم إلى مقاتلته في جانب الروم، وكانت الحرب على أشدها بينه وبين هؤلاء- لم ير بدًّا من مصالحتهم والاستعانة بهم ضد أعدائه، وتوثقت منذئذ عرا التحالف بين المناذرة والفرس ضد الروم. وقد حكم بعد امرئ القيس ابنه عمرو ثم ابنه الآخر:


١ د. جواد علي: ٤/ ٢٣.
٢ علي ظريف الأعظمي: تاريخ الدول الفارسية في العراق، ص٢٤-٢٥.
أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، ص٤٨-٤٩.
الطبري: ٢/ ٥٥-٦٠.

<<  <   >  >>