للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهم الآلهة التي عبدت في الجنوب ثلاثة: القمر والشمس وكوكب الزهرة١، وهي لم تصور آنذاك في أشكال آدمية؛ إذ لم تكن الصور والتماثيل معروفة لديهم. وهذه التماثيل إن وجدت عند عرب الشمال فالمعتقد أنها كانت دخيلة عليهم، أتتهم من شعوب شمالية سامية أخرى. أما الرموز التي عبر بها عرب الجنوب عن هذه الآلهة، فنشاهدها في الألواح التي عثر عليها بين أنقاض المعابد المكتشفة، حيث استعمل رمز الهلال الأفقي للدلالة على القمر وقرص الشمس المشع للدلالة على إله الشمس، والنجمة للدلالة على الزهرة، وكثيرًا ما استُعْمِل رأس الثور وقرناه رمزًا للدلالة على إله القمر.

على أن الإله الذي هيمن هيمنة مطلقة على عقول الجنوبيين وخص بكثير من الأسماء والألقاب، ونال القسط الأوفر من الاعتبار هو القمر، بينما نرى أن الذي يلعب هذا الدور عند الشعوب السامية الشمالية في الهلال الخصيب هي الشمس. والواقع أن ديانة العرب قمرية، وديانة بقية الشعوب السامية شمسية, وقد يكون للعوامل الجغرافية والمناخية الأثر الكبير في ذلك؛ بسبب أن الشمس محرقة منهكة، بينما يكون ظهور القمر مرافقًا لليالي ذات النسيم العليل، كما يكون في الوقت نفسه دليلًا للحادي، وهاديًا للقافلة، وسميرًا للقبيلة. وكثيرًا ما نرى لفظ "القمرين" يطلق على الجرمين السماويين الشمس والقمر تكريمًا لاسم القمر٢.

وفي النقوش التي عثر عليها في الجنوب ما يشير إلى أن القمر والشمس والزهرة تؤلف ثالوثا إلهيا مكونا من أب وأم وابن، فهي أسرة إلهية سماوية مقدسة، باعتبار أن القمر هو الزوج، والشمس هي الزوجة، وعثتر أو عطار هو الابن.

على أن زواج القمر بالشمس يبدو وكأنه اعتقاد عالمي معروف عند أغلب الشعوب القديمة، وهو مبني على ملاحظات فلكية المظهر، إذ يلاحظ في كل شهر سير القمر في السماء مسرعًا حتى إذا جاء وقت يوشك فيه على الاضمحلال تمكن من اللحاق بالشمس في الوقت الذي يأخذ في الاختفاء التدريجي حتى يضمحل تماما، ليولد بعد ذلك هلالًا


١ عرف هذا الكتاب آنذاك بأسماء عديدة منها: عثتر وعطار، وسماه العرب فيما بعد: النجم الثاقب أو الزهراء وهو كوكب, المصباح المنير.
٢ "دتلف نلسن وفرتز هومل": تاريخ العرب القديم، ص ٢٠٦-٢٠٧.

<<  <   >  >>