للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكرت أنهم اهتموا به عظيم الاهتمام، هذا فضلًا عن كون ما كتبوه عن عهد ما قبل الإسلام بأجمعه بعيدًا عن الروح العلمية، لا بل يغلب عليه العنصر القصصي المنقول عن السماع والمليء بالأساطير. وقد بلغ بعده عن الدقة أن أسماء الدول والملوك والحوادث التي أوردوها قد جاء فيها كثير من الخلط، فضلا عن التناقض والخلاف بين ما كتبه مؤرخ وآخر.

بيد أننا إذا أردنا الدقة في التعبير يجب أن نميز بين فترتين من أخبار الجاهلية: أولاهما الجاهلية البعيدة، والثانية الجاهلية القريبة من الإسلام. ولتأريخ الفترة الثانية، التي وقعت حوادثها منذ القرن الثاني قبل ظهور الإسلام حتى بزوغ فجره، فلا بأس بل من المستطاع الاعتماد بعض الشيء في بحثها على ما جاء في كتب المؤرخين المسلمين؛ ذلك أن هذه الفترة كات قريبة منهم، ولا بد أن يكون ما أورده الرواة من أخبارها قد حافظ نوعًا ما على صورته الأصلية حتى جاء عصر تدوين الأخبار فسجلت في كتب التاريخ التي وصل معظمها إلينا١.

على أن معرفة الكتابة عند المتأخرين من عرب الجاهلية -ولكن في نطاق ضيق- يعطي للأخبار المنقولة في هذه الفترة شيئًا من الثقة بصحتها, فقد بينت الدراسات الحديثة أن العرب الجاهليين كانوا يدونون أشعارهم بالكتابة. وقد نوه القرآن الكريم في بعض آياته كقوله تعالى: {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون} [القلم: ١] وكقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ, اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: ١ - ٤] بمعرفة القراءة والكتابة قبل الإسلام.

ومما ذكره الراوية النسابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي أنه كان يستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى من كتبهم في الحيرة. كما ورد في الأخبار أن النعمان ملك الحيرة كان قد أمر فنسخت له أشعار العرب في كراريس، وأنه كان في قريش عند ظهور الإسلام سبعة عشر شخصًا يعرفون الكتابة منهم "الشفاء بنت عبد الله العدوية" وبعض النسوة الأخريات٢.


١ د. جواد علي: نفس المصدر ١٠/ ٣٤.
٢ نفس المصدر ١/ ١٥، ٣٧-٣٩.

<<  <   >  >>