والزجاج والأرجوان والأصبغة من صور وصيدا، واللؤلؤ من الخليج العربي، ويوزعونها في مختلف المناطق التي يتصلون بها. باختصار لم تكن تجارة ما تنتقل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب إلا على يدهم أو مرورًا بمدينتهم. وقد انتقلت حضارتهم مع توسعهم التجاري إلى المناطق المجاورة لهم. وكان للأنباط عملة خاصة بهم يعود فضل سكها لملكهم الحارث الثالث اقتباسًا من اليونان السلوقيين في أثناء حكمه لسورية.
كما عمل الأنباط في الزراعة, إذ حفروا الآبار وجمعوا مياه السيول في صهاريج حفروها في الصخور، ووصلوا بعضها ببعض بأقنية نقبت في الصخر، وقد وجهوا إليها مياه الأودية والسيول، واستعملوها في المدينة، وفي الحقول للشرب وللزراعة. هذه الصهاريج تعتبر الآن من الآثار المهمة في البتراء، وهي مربعة الشكل لها فوهات ضيقة حتى إذا امتلأت الصهاريج أحكموا سد هذه الفوهات واستخدموا كل ما أُوتوا من مهارة ليخفوها عن الأنظار، فيجعلون عليها علامات لا يعرفها سواهم؛ لترشدهم إليها عند الإيجاب بينما يستحيل على الأعداء -فيما إذا هاجموهم- أن يعثروا عليها فيموتون عطشًا في هذه المنطقة الجافة المحرومة من المياه الطبيعية.
أما صناعتهم: فإنها قد تركزت في صنع الأواني الخزفية, وقد أتانا منهم العديد من القطع التي تعتبر أحسن نوع من أنواع الخزف التي أنتجتها منطقة الشرق الأدنى. منها كئوس وفناجين وصحون وأباريق وطاسات في غاية الرقة، وهي تدعو إلى الإعجاب بهذه الرقة التي لا تتجاوز رقة قشرة البيضة، مما يشهد بتفوق صناعتها. وثمة أنواع مختلفة منها: كالبسيط الخالي من الزخارف، أو المدهون المزخرف برسوم تغلب عليها أشكال الزهور أو الأوراق المنحوتة بترتيب هندسي، وهي على الأكثر من أوراق الكرمة وعناقيد العنب، تظهر على الأواني الخزفية والفخارية كما تظهر في الزخارف المعمارية. وفي رأي العلماء وخبراء الفن، أن الأنباط كانوا في الفن والبناء والهندسة وفي الصناعة الخزفية من ذوي المواهب العالية ومن أكثر الشعوب براعةً١.