للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآن من أبنية جميلة إنما هو منحوت في الصخر, وتشكل آثارها تراثًا فنيًّا رائعًا يجذب إليها السياح، وتفيد المملكة العربية الأردنية من ريعها. ويتبع العمران النبطي أساليب فنية وزخرفية نافرة متأثرة بالفن "الهللنستي" الذي كان سائدًا في سورية ومصر في أثناء حكم السلوقيين والبطالمة. وهو فن مزيج من عناصر هللينية "يونانية" في الأصل خضعت لتأثيرات وأوضاع شرقية طورته. والملك الحارث الثالث هو الذي أدخل مملكته ضمن محور الحضارة الهللنستية، فأعطي لقب "محب الهللينية" إذ استقدم الصناع السوريين فأدخلوا معهم نماذج هللنستية تبدو ملامحها على الواجهة الجميلة لبناء يسمى اليوم "هيكل الخزنة" في البتراء، كما يبدو أن المسرح المدرج قد بني في زمن الرومان، ومن حينها بدأت العاصمة النبطية تتخذ مظاهر مدينة هللنستية نموذجية١. وبالإضافة إلى السمات الهللنستية نشاهد على عمائر البتراء السمات الفنية المصرية والآشورية واليونانية والرومانية، مما يدل على أنها خضعت لمزيج من التأثيرات الفنية المتنوعة٢.

وآثار البتراء مجموعة من الهياكل والمذابح والمدافن وصهاريج الماء، بالإضافة إلى شارع رئيسي جميل، وإلى مسرح مدرج يتسع لثلاثة آلاف متفرج. وتبدو الصخور التي نحتت فيها هذه الأبنية بألوان متعددة يغلب عليها عموما اللون الوردي، مما دعا أوائل الذين اكتشفوا آثارها إلى تسميتها باسم "المدينة الوردية".

ومن أهم ما نشاهد فيها بناء شامخ على واجهته نقوش وكتابات بالقلم النبطي، وهو مؤلف من طبقتين نُقر في واجهتهما صَفَّانِ من الأعمدة الكورنثية الجميلة، والرسوم والأفاريز البديعة المزخرفة التي تعتبر من آيات الفن الرائعة. وفي أعلى الطابق الثاني ترس مثلث داخله كتلة بيضية الشكل تشبه الجرة؛ ولذا اعتقد أعراب تلك المنطقة بأنها خزنة فرعون فغلب على البناء اسم "هيكل الخزنة". وفيها أيضًا بناء آخر يسمى "الدير" يقع في مرتفع من الأرض، يظهر أنه كان مخصصا لعبادة الإله "دوشارا = ذو الشرا" وقد نحت على أسلوب البناء السابق، لكنه لا يدانيه في دقة زخارفه وجماله. وبالقرب من هذا البناء مقابر ملكية على شكل بروج واجهتها تشبه واجهة الدير. وفي البتراء كثير من القبور


١ فيليب حتي: المصدر السابق، ص٤٢٠.
٢ د. جواد علي: ٣/ ٥١.

<<  <   >  >>