الإمبراطور القائم، ومن قيام الجرمن البرابرة بحركات تمرد في بلاد الغال التابعة لروما، فوجهت إلى مصر جيشًا مؤلفًا من ٧٠ ألف جندي بقيادة قائدها زبدة١, فاحتلها وألحقتها بالدولة التدمرية.
ولم يسع الإمبراطور الروماني كلوديوس -وقد اعتلى العرش حديثًا- إلا أن يعترف بعجزه عن إخضاعها، وأن يسلم بالأمر الواقع ويتفق معها على بقاء الجيوش التدمرية في القطر المصري, شريطة اعتراف زنوبيا بتبعيتها للدولة الرومانية.
لكن السلام الذي حل بين الطرفين لم يلبث أن تبدد باعتلاء الإمبراطور أورليانوس العرش، إذ تمكن من دحر المتمردين وتفرغ لإخضاغ زنوبيا. وكان على هذه أن تجابه الإمبراطور بنقض الاتفاقية المعقودة مع روما، وأردفت ذلك بإسقاط رسم الإمبراطور عن النقود واستبدلت به رسم ابنها، واتخاذها وابنها "وهب اللات" لقب أغسطس الخاص بالإمبراطور الروماني. ثم وجهت حملة إلى آسيا الصغرى، فاحتلت جزءًا كبيرًا منها سنة ٢٧٠م، ودحرت الجيوش الرومانية وردتها إلى ما وراء أنقرة، وأحدقت جيوشها بأسوار القسطنطينية.
أما أورليانوس فلم يبدأ هجومه على زنوبيا من جهة البلقان والأناضول كما كانت تتوقع، بل بدأ بمصر مستغلًّا ضعف وسائل الدفاع عنها، وذلك أنها قد سحبت منها معظم قواتها لتعزز بهم جبهة الأناضول؛ اعتقادًا منها بأن المصريين الناقمين على الرومان سيهبون للدفاع ضدهم. إنما خاب ظنها بهم؛ لأن الرومان تمكنوا من استمالة قسم منهم، فأحرزوا بذلك انتصارا ساحقا واستعادوا سيطرتهم على مصر "٢٧١م".
ثم التفت الإمبراطور إلى الشرق، وتقدم لمحاربتها في عدة جبهات، فمن البحر أرسل أسطولا كبيرا لاحتلال أنطاكية، ومن البر الأناضولي تقدم نحو أنقرة فتراجعت الجيوش التدمرية حتى أنطاكية، حيث التقى الإمبراطور بالجيش التدمري، وكان بقيادة زباي الذي كان يتلقى أوامره من زنوبيا نفسها التي لم تغادر أرض المعركة. كان الجيش التدمري مؤلفا من رماة السهام الخفاف، ومن الخيالة الثقيلة المدرعة بالصلب، فلم يقوَ فرسان
١ كان قائداها: زبدة وزباي، وكان لونجين فيلسوف بلاطها ومستشارها.