للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني" ملكًا عليهم، ومنحه بعض الألقاب الشرفية، وأوكل إليه حماية حدود الشام مع العراق.

وكان لا بد من وقوع الصدام بين الإمارتين العربيتين، بالرغم من إبرام صلح بين بيزنطة وفارس، وعدم تدخل كل منهما تدخلًا مباشرًا في منازعات الإمارتين، ذلك أن ظروفًا جديدة قد دفعت الدولتين الكبيرتين إلى الاصطدام من جديد، فقد استفاد الإمبراطور "جوستنيان" من الهدنة المعقودة مع الفرس كي يتفرغ إلى توسيع إمبراطوريته في أوروبا وإفريقيا, واستعادة الممتلكات التي انسلخت عنها, إما بسبب نوازع وطنية محلية، أو بسبب استيلاء الأقوام البربرية الغازية عليها؛ وبالتالي كي يستعيد مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة، مما يخل بتوازن القوى بين الدولتين.

وقد وجد "كسرى أنوشروان" الذريعة التي يستطيع بها أن يجعل حلفاءه المناذرة يتحرشون بالغساسنة وبحلفائهم البيزنطيين، إذ كان ثمة نزاع بين المناذرة والغساسنة على أرض تسمى "أستراتا" تمتد بين دمشق وتدمر وتشكل الحد الفاصل بينهما، فحرض المنذر بن ماء السماء على احتلالها، فادعى تبعية القبائل النازلة فيها له ووجوب دفعها الجزية إليه، وكان لا بد للملك الغساني الحارث بن جبلة من مقاومة هذا الادعاء، فنشبت الحرب بين الطرفين "٥٤٠م" واضطرت بيزنطة وفارس إلى التدخل المباشر, كل منهما لنصرة حليفتها، ونقض "كسرى" بنود الهدنة المعقودة بينه وبين "جوستنيان" وهاجم سورية.

غير أن الحارث بن جبلة الغساني الذي كان يرافق القائد البيزنطي "بليزاريوس" في المعارك الناشبة لم يلبث أن تخلى عن مؤازرة البيزنطيين، بعد أن كان قد تمكن من اجتياز نهر دجلة نحو الشرق، إذ أدرك أن الحرب ضد الفرس لا بد خاسرة؛ لانشغال كتلة الجيش البيزنطي الرئيسية في الحروب التي تخوضها في أوروبا، ففضل العودة بدلًا من أن يعرِّض رجاله للهلاك. والواقع أن ظنه قد تحقق، ذلك أن جوستنيان لم يلبث أن عقد اتفاقا جديدا مدته خمس سنوات مع كسرى، تعهد له فيه أن يضاعف الجزية التي تدفعها بيزنطة لفارس١.


١ د. جواد علي: ٤/ ٥٩.

<<  <   >  >>