للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سليح ضربت هذه عليهم الأتاوة لحساب الروم، وكان يتزعم الغساسنة آنذاك كبيرهم ثعلبة بن عمرو، فتحايل أخوه جذع على كبير سليح واغتاله، فوقعت الحرب بين القبيلتين، وكانت الغلبة للغساسنة وصار الملك إليهم. ويورد الأخباريون هذه القصة تفسيرًا لأصل المثل القائل: "خذ من جذع ما أعطاك". ويظهر أن الأخبار المروية عن فتك الغساسنة بالضجاعة مبالغ فيه؛ ذلك أنهم وإن فقدوا ملكهم، فإنهم لم يرتحلوا عن المنطقة، لا بل يروى أنهم أسهموا في مقاومة خالد بن الوليد في دومة الجندل، عندما تصدى المسلمون لفتح الشام١.

كما يروي الأخباريون أن الروم كانوا يفرضون نفوذهم على الضجاعمة, وأنهم قد أنابوهم عنهم في جمع الإتاوات من السكان، فلما ظهر الغساسنة عليهم وثقوا بقوتهم واستمالوهم ووطدوا صلاتهم بهم، واعترفوا لهم بالرئاسة على العرب في بلاد الشام ومدوهم بالمعونة، واتخذوا منهم مجنا يتقون به غزوات الأعراب التي كانت غالبًا ما كانت تغير على مراكز الحضارة البيزنطية، كما اتخذوا منهم حلفاء ضد أعدائهم الفرس في الشرق، وهكذا أصبح الغساسنة دولة تابعة للروم البيزنطيين.

ويختلف المؤرخون حول من هو أول ملك من ملوك الغساسنة؛ فبينما يقول بعضهم: إنه جفنة بن عمرو مزيقياء، يذكر المسعودي أنه الحارث بن عمرو مزيقياء. ويقرن المؤرخون بين جفنة وبين الإمبراطور أنسطاس الذي حكم بين ٤٩١-٥١٨م، ويقولون: إن هذا الإمبراطور قد ملَّكه على عرب الشام، فقتل ملوك قضاعة من سليح وبني جلق وغيرها، وبه سمي آل جفنة عمالًا للقياصرة على عرب الشام. فإذا صح زعمهم فيكون جفنة قد حكم بين نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلادي.

والواقع أن تاريخ الغساسنة غامض، وليس ثمة اتفاق في التواريخ العربية على عدد ملوكهم. فهناك من يقول: إنهم أحد عشر ملكًا، وآخرون يقولون: إنهم اثنان وثلاثون، والفرق كبير بين القولين. أما التواريخ البيزنطية فلا تهتم إلا بعلاقاتهم مع القسطنطينية، ولا يعرف على التحقيق، وبشيء من التفصيل سوى تاريخ خمسة من ملوكهم حكموا في


١ د. جواد علي: ٤/ ١٢٣-١٢٤.

<<  <   >  >>