لا نملك من المستندات ما يسمح لنا برسم صورة أكثر علمية لهذه الأحداث، فليس لنا إلا متابعة الرواية وهي تقول: إنه بعد أن طرده والده، كان يسير في أحياء العرب، ومعه أخلاط من شذاذ العرب، فإذا صادف غديرًا أو روضة أقام فذبح لهم، وأكل وأكلوا معه, وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه. وفي الأغاني١ نجد قصة وصول خبر مقتل والده إليه وهو على هذه الحالة يلعب النرد في موقع "دمون" فلم يلتفت إلى ناقله إلا بعد أن انتهى نديمه من ضرب نرده؛ لئلا يفسد عليه دسته. أي: إن الرواية تحرص على حبك القصة بالبرهان على صلابة امرئ القيس، خلافا لإخوته الذين تظهرهم وقد جزعوا وحثوا التراب على رءوسهم، وكانت وصية الوالد المحتضر ألا يُدفع كتابه إلا إلى أيهم لا يجزع للخبر. فلما التفت إلى الساعي وعلم الخبر قال:
تطاول الليل علينا دمون ... دمون إنا معشر يمانون
وإننا لأهلنا محبون
ثم قال: ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا, "اليوم خمر، وغدًا أمر" فذهبت مثلا، ثم قال:
خليليَّ لا في اليوم مصحى لشارب ... ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب
ثم شرب سبعًا، فلما صحا آلى على نفسه ألا يأكل لحمًا، ولا يشرب خمرًا، ولا يدهن بدهن، ولا يصيب امرأة حتى يدرك ثأره.
والواقع أن الروايات مضطربة حول هذه الناحية أيضًا، فمنها ما يقول: إنه كان مع والده حينما هاجمه بنو أسد، وإنه تمكن من النجاة على فرس له، أو إنه كان غلاما قد ترعرع، فلما بلغه الخبر وهو مقيم في بني حنظلة، وكان ناقله رجل اسمه عجل قال:
أتاني وأصحابي على رأس صيلع ... حديث أطار النوم عني فأنعما
فقلت لعجلي بعيد مآبه ... أبن لي وبيِّن لي الحديث المجمجما
فقال: أبيت اللعن عمرو وكاهل ... أباحا حمى حجر فأصبح مسلما
ومهما يكن من أمر ما قيل، فإن امرأ القيس -كما يظهر من مجمل الروايات- قد أخذ