للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحروب، إذ أدرك رجال القبيلتين مغبة الحرب بينهما، واستفادة اليهود من نزاعهما المستمر؛ لاستعادة نفوذهم في يثرب وبسط سيطرتهم عليها، لا سيما أن العرب قد أدركوا ما كان من مكر اليهود وحيلهم، وما كانوا يحيكون من دسائس للوقيعة بين القبيلتين، فصاروا يطلقون عليهم تسمية "ثعالب".

لقد ألحقت الحرب في يوم بعاث بالقبيلتين أضرارًا جسيمة، إذ أصابت الزروع والممتلكات بأضرار جسيمة نتيجة القطع والتخريب والتحريق، وقتل عدد كبير من رجال القبيلتين بينهم وجهاء وزعماء بارزون، فاتجهت أفكار الطرفين إلى وضع حد للمآسي التي أضعفت العرب، وإحلال السلام والوئام في يثرب، لينصرف كل إنسان إلى عمله ويتذوق السكان راحة الهدوء والطمأنينة.

كان النصر في هذه الحرب للأوس وحلفائها من يهود بني النضير وبني قريظة. فلما أدركت تصميم حلفائها اليهود على التنكيل بالخزرج، وعلى تحطيمهم وإذلالهم، وخشيت أن ينفردوا بها بعد ذلك، آثرت أن تلتزم الاعتدال، فتكف عنهم وتتحاشى إفناءهم، وأن تكتفي بما حققته من قضاء على روح التسلط فيهم، إذ رأت أن جوارهم خير لها من جوار "الثعالب".

وعلى العموم فإن يوم بعاث قد أضعف جميع قبائل وبطون العرب في يثرب، فاشتد ميلهم إلى الاتحاد. واستجاب كل من الطرفين لداعي الوفاق، وكان أحد زعماء الخزرج وهو عبد الله بن أُبَيّ بن سلول قد وقف موقفا حياديا من الحرب، فاتجهت إليه الأنظار كي يكون واسطة للتجميع وحل النزاع١، واتفق الجميع على تتويجه ملكًا على المدينة، ولم يمنع من تحقيق ذلك سوى قدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مهاجرا. فحقق من وحدة العرب جميعا ما عجز عنه العرب من قبل.


١ أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص٣٤١-٣٤٣.

<<  <   >  >>