للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعد قادرة على الصمود أمام الخزرج التي اتجهت نيتها إلى الاستيلاء على ما في يد الأوس من أراض خصبة، فحاولت التحالف مع بني قريظة وبني النضير، فلم يكن من الخزرج إلا أن هددت القبيلتين اليهوديتين بالحرب إن هما استجابتا للأوس، فلم تلبثا أن أعلمتا الخزرج بوقوفهما على الحياد. لكن الخزرج لم تقنع بذلك بل طالبتهما برهائن تضمن عدم تحالفهما مع الأوس، فدفعتا إليها بأربعين غلاما وزعتهم في بيوت زعمائها١، ولما يئست الأوس من ضمان أسباب النصر، أوفدت إلى مكة وفدا في محاولة منها لاستعداء قريش على الخزرج، فلم يستجب القرشيون إلى طلبها حرصا على عدم التدخل في أمور من شأنها أن تمس سلامة علاقاتها التجارية مع الجوار.

غير أن الخزرج قد أقدمت على تصرف أهوج، عندما أسفر أحد زعمائها عن نيته في الاستيلاء على ما في أيدي قريظة والنضير من أراضٍ ودور، وأنذرهم بتسليمها أو قتل غلمانهم٢، فأعطى بذلك المجال إلى تحالف تم بين القبيلتين اليهوديتين وبين الأوس، وبدأت حرب بين الطرفين، وأقدم زعماء الخزرج -عدا عبد الله بن أبي بن سلول- على قتل الرهائن اليهود. وحشد كل من الطرفين حلفاءهما من داخل المدينة ومن خارجها، إذ راسلت الأوس حلفاءها من بني مزينة، بينما رأت الخزرج أن تراسل حلفاءها من بني أشجع وبني جهينة، وانضم إليها بنو قينقاع من اليهود.

كانت الغلبة في اليوم الأول من القتال للخزرج، إنما لم يلبث الأوس أن مالوا على خصومهم يقتلونهم ويحرقون منازلهم ونخيلهم، بينما كان اليهود ينكلون بهم تنكيلا


١ أحمد إبراهيم الشريف: المصدر نفسه، ص٣٤٠-٣٤٣.
٢ ابن الأثير: ١/ ٤١٧: يقول ابن الأثير: "إن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بني بياضة: إن أباكم أنزلكم منزلة سوء، والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم. وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع، فأرسل إلى قريظة والنضير: إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم، وإما أن نقتل الرهن، فهموا أن يخرجوا من ديارهم، فقال لهم كعب بن أسيد القرظي: يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان، ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له مثل أحدهم، فأرسلوا إليهم: إنا لا ننتقل من ديارنا، فانظروا في رهننا فادفعوهم إلينا، فعدا عمرو بن النعمان على رهنهم فقتلهم، وخالفه عبد الله بن أبي سلول فقال: هذا بغي وإثم، ونهاه عن قتلهم وقتال قومه من الأوس، ولم يقتل هو ومن أطاعه أحدًا من الغلمان وأطلقوهم وحالفت حينئذ قريظة والنضير الأوس على الخزرج".

<<  <   >  >>