للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السياسة والاجتماع، فهي معرض من معارض الأدب والخطابة، إذ تعقد فيها حلقات الأدب والشعر، ويتناشد الشعراء قصائدهم، يحكم فيها أخصائيون يكونون في الغالب من فطاحل شعراء الجاهلية. ففي الروايات أن نابغة بني ذبيان كانت تضرب له قبة من أدم أحمر اللون في سوق عكاظ، يجتمع إليه فيها الشعراء، ويستمع إلى ما ينشدونه من قصائد، فيعطي رأيه فيها. ولعل ما عرف باسم المعلقات هو مما كان يعجب به هذا الشاعر الكبير، وهذا يتم في كل موسم من مواسم السوق. ومعلقات الشعراء الجاهليين كثيرة، وهي من عيون الشعر في الجاهلية ولعل تسميتها جاءت من تشبهها، لجودتها، بالقلائد التي تعلق في نحور الغانيات. ولم يكن أقل من ذلك شأن الخطباء والوعاظ، إذ يحتشد الناس حول أحدهم وتشخص إليه الأبصار، فيطلع عليهم بخطبة كخطبة قس بن ساعدة الإيادي التي يقول فيها: "أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات ... إلخ" وهي معروفة١.

وكان إلى جانب سوق عكاظ أسواق أخرى أقل أهمية، مثل "مجنة" و"ذي مجاز"، وهي قريبة من مكة. وفي يثرب وحولها قامت بعض الأسواق مثل سوق بني قينقاع في يثرب نفسها، حيث كان العرب يبتاعون مصنوعات اليهود الذهبية والمعدنية وغيرها، وقد اشتهر بنو قينقاع بالصياغة. كما وجد في يثرب سوق يقيمها النصارى من سكانها تسمى "سوق النبط" والمعتقد أن نبط الشام كانوا ينزلون فيها للاتجار بالحبوب، كما قام خارج يثرب وإلى مسافة غير بعيدة منها سوق بدر، حيث وقعت الموقعة الشهيرة في الإسلام بين الرسول وكفار قريش، وهو موضع توفر فيه الماء.


١ الأفغاني: أسواق العرب، ص٢٧٧-٣١٥.

<<  <   >  >>